للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي أَنَّ اتِّخَاذَ القُبُورِ مَسَاجِدَ مِنَ الكَبَائِرِ:

وَذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِ اللَّعْنِ؛ وَلِوَصْفِهِم بِشِرَارِ الخَلْقِ.

وَالعُلَمَاءُ فِي اتِّخَاذِ القُبُورِ مَسَاجِدَ مُتَّفِقُونَ عَلَى المَنْعِ (١):

١ - مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ.

قَالَ الحَافِظُ الهَيتَمِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الكَبَائِرِ): "الكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ: اتِّخَاذُ القُبُورِ مَسَاجِدَ، وَإِيقَادُ السُّرُجِ عَلَيهَا، وَاتِّخَاذُهَا أَوثَانًا، وَالطَّوَافُ بِهَا، وَاسْتِلَامُهَا، وَالصَّلَاةُ إلَيهَا" (٢).


(١) قَالَ الجزيريُّ فِي كِتَابِهِ الفِقْهُ عَلَى المَذَاهَبِ الأَرْبَعَةِ (١/ ٤٨٧): "يُكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ بَيتٌ أَو قُبَّةٌ أَو مَدْرَسَةٌ أَو مَسْجِدٌ أَو حِيطَانٌ تُحْدِقُ بهِ كَالحِيشَانِ إِذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الزِّينَةُ وَالتَّفَاخُرُ؛ وَإلَّا كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا".
"وَالحَوشُ: شِبْهُ الحَظِيرَةِ … ، ويُطْلِقُه أَهْلُ مِصْرَ عَلَى فِنَاءِ الدَّارِ". تَاجُ العَرُوسِ (١٧/ ١٦٣).
(٢) الزَّوَاجِرُ (١/ ٢٤٤).
وَقَالَ أَيضًا ﵀: "وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا أَوثَانًا فَجَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ بِقَولِهِ ﷺ: ((لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ بَعْدِي)) أَي: لَا تُعَظِّمُوهُ تَعْظِيمَ غَيرِكُمْ لِأَوثَانِهِمْ بِالسُّجُودِ لَهُ أَو نَحْوَهُ؛ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الإِمَامُ [يُرِيدُ أَحَدَ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ نَقَلَ قَولَهُم] بِقَولِهِ: (وَاتِّخَاذُهَا أَوثَانًا) هَذَا المَعْنَى؛ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ؛ بَلْ كُفْرٌ بِشَرْطِهِ [يُرِيدُ أنَّ سَبَبَ الصَّلَاةِ عِنْدَ ذَلِكَ الإمَامِ كَانَ التَّبَرُّكَ وَالتَّعْظِيمَ]، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مُطْلَقَ التَّعْظِيمِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ كَبِيرَةٌ؛ فَفِيهِ بُعْدٌ! نَعَمْ. قَالَ بَعْضُ الحَنَابِلَةِ: قَصْدُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ عِنْدَ القَبْرِ مُتَبَرِّكًا بِهَا عَينُ المُحَادَّةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِبْدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا ثُمَّ إجْمَاعًا؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ المُحَرَّمَاتِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ الصَّلَاةُ عِنْدَهَا وَاتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ أَو بِنَاؤُهَا عَلَيهَا، وَالقَولُ بِالكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيرِ ذَلِكَ، إذْ لَا يُظَنُّ بِالعُلَمَاءِ تَجْوِيزُ فِعْلٍ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَعْنُ فَاعِلِهِ! وَتَجِبُ المُبَادَرَةُ لِهَدْمِهَا وَهَدْمِ القِبَابِ الَّتِي عَلَى القُبُورِ إذْ هِيَ أَضَرُّ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لِأَنَّهَا أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ ﷺ بِهَدْمِ القُبُورِ المُشْرِفَةِ، وَتَجِبُ إزَالَةُ كُلِّ قِنْدِيلٍ أَو سِرَاجٍ عَلَى قَبْرٍ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَنَذْرُهُ. انْتَهَى".

<<  <  ج: ص:  >  >>