للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْحُ

- الخَوفُ عِبَادَةٌ لِلقَلْبِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا للهِ تَعَالَى، فَهِيَ كَالذُّلِّ وَالمَحَبَّةِ وَالإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالرَّجَاءِ وَغَيرِهَا مِنْ عِبَادَةِ القَلْبِ للهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرَّحْمَن: ٤٦].

وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ عَظَمَةِ هَذِهِ العِبَادَةِ فِي الحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَينِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا ((كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذرُّونِي فِي الرِّيحِ؛ فَوَ اللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي (١) لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ)) (٢) (٣).


(١) لِلعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَقْوَالٌ:
أ- أَنَّهَا مِنَ القُدْرَةِ وَالاسْتِطَاعَةِ، وَهُوَ كَانَ جَاهِلًا بِقُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى إِعَادَتِهِ.
ب- أَنَّهَا مِنَ التَّقْدِيرِ وَالقَضَاءِ، كَأَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: لَئِنْ كَانَ سَبَقَ فِي قَدَرِ اللهِ وَقَضَائِهِ أَنْ يُعَذِّبَ كُلَّ ذِي جُرْمٍ عَلَى جُرْمِهِ؛ لَيُعَذِبنِّيَ اللهُ عَلَى إِجْرَامِي وَذُنُوبِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ غَيرِي.
جـ- أَنَّهَا مِنَ التَّقْتِيرِ وَالتَّضْيِيقِ: كَأَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: لَئِنْ ضَيَّقَ اللهُ عَلَيَّ وَبَالَغَ فِي مُحَاسَبَتِي وَجَزَائِي عَلَى ذُنُوبِي. اُنْظُرِ الصَّحِيحَةَ (٣٠٤٨).
قُلْتُ: وَطَلَبُ الرَّجُلِ لِحَرْقِهِ وَذَرِّهِ فِي الرِّيحِ يُومِئُ إِلَى أَنَّ القَولَ الأَوَّلَ هُوَ المَقْصُودُ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(٢) البُخَارِيُّ (٣٤٨١)، وَمُسْلِمٌ (٢٧٥٦). وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (٣٧٨٥) بِلَفْظِ: ((إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ مِنَ الخَيرِ شَيئًا قَطُّ إِلَّا التَّوحِيدَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لِأَهْلِهِ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَخُذُونِي … )). صَحِيحٌ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوقُوفًا. تَحْقِيقُ الشَّيخِ شُعَيبٍ الأَرْنَؤُوط.
(٣) فَائِدَةٌ فِي حُكْمِ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ.
=

<<  <  ج: ص:  >  >>