للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: هَلْ يَجُوزُ تَعْلِيقُ التَّمَائِمِ مِنَ القُرْآنِ؟

الجَوَابُ:

اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ -وَهُوَ قَولُ الجُمْهُورِ- وَهُوَ مَرْوُيٌّ عَنْ عَبْد اللهِ بْن عَمْرو بْنِ العَاصِ (١)، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ (٢) (٣)،


(١) فِي التِّرْمِذِيِّ (٣٥٢٨) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ العَاصِ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ((إِذَا فَزِعَ أحَدُكُم فِي النَّومِ فَلْيَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ)). وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرو يُلَقِّنُهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُم كَتَبَها فِي صَكٍ ثُمَّ عَلَّقَها فِي عُنُقِهِ. حَسَّنَهُ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ دُونَ زِيَادَةِ (فَكَانَ ابْنُ عَمْرو … ). اُنْظُرِ الصَّحِيحَة (٢٤٦).
(٢) عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ: (لَيسَ التَّمِيمَةُ مَا تُعُلِّقَ بِهِ بَعْدَ البَلَاءِ، إِنَّمَا التَّمِيمَةُ مَا تُعُلِّقَ بِهِ قَبْلَ البَلَاءِ). رَوَاهُ الحَاكِمُ (٧٥٠٧)، وَقَالَ: صَحِيح الإِسْنَادِ. وَهُوَ صَحِيحٌ مَوقُوفٌ، كَمَا فِي صَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ (٣٤٥٨). وَعِنْدَ البَيهَقِيِّ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى (١٩٦٠٦) بِلَفْظ: (إِنَّمَا التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بَعْدَ البَلَاءِ لِيُدْفَعَ بِهِ المَقَادِيرُ).
قُلْتُ: الظَّاهِرُ مِنْ قَولِ عَائِشَةَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَجُوزُ بَعْدَ البَلَاءِ مِنْ بَابِ التَّبَرُّكِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ تَمِيمَةٌ لِرَدِّ العَينِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي النَّهْي لِمَنْ يَسْتَدِلُ بِالأَثَرِ مُطْلَقًا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الاسْتِذْكَارِ (٨/ ٣٩٧) لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ : "قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِتَعْلِيقِ الكُتُبِ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاءُ اللهِ ﷿ عَلَى أَعْنَاقِ المَرْضَى عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِهَا إِذَا لَمْ يُرِدْ مُعَلِّقُها بِتَعْلِيقِهَا مُدَافَعَةَ العَينِ. وَهَذَا مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ شَيءٌ مِنَ العَينِ، وَلَو نَزَلَ بِهِ شَيءٌ مِنَ العَينِ جَازَ الرُّقَى عِنْدَ مَالِكٍ وَتَعْلِيقِ الكُتُبِ".
قُلْتُ: وَكَذَا أَيضًا تَعْلِيقُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو لِلصَّكِّ الذَي فِيهِ ذِكْرُ الفَزَعِ فِي النَّومِ -عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ- فِي عُنُقِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ وَلَدِهِ -دُونَ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَتَلَقَّنَهَا مِنْ وَلَدِهِ-؛ فَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهُ لِغَايَةِ الحِفْظِ وَلَيسَ بِغَرَضِ التَّعْلِيقِ كَهَيئَةِ التَّمِيمَةِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(٣) فَائِدَةٌ: قَالَ الَحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِهِ النُّكَتُ عَلَى كِتَابِ ابْنِ الصَّلَاحِ (ص ٥٣٣): "تَنْبِيهٌ: إِذَا ذَكَرَ النَّبِيُّ حُكْمًا يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ؛ فَشَرَحَهُ الصَّحَابِيُّ سَوَاءً كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِ أَو مِنْ رِوَايَةِ غَيرِهِ؛ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مَرْفُوعًا أَمْ لَا؟ ذَهَبَ الحَاكِمُ إِلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، فَقَالَ عَقِبَ حَدِيثٍ أَورَدَهُ عَنْ عَائِشَةَ
=

<<  <  ج: ص:  >  >>