للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَورَدَ بَعْضُهُم شُبْهَةً فِي شَأْنِ قَاتِلِ النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ (١)؛ فَقَالُوا: إِنَّهُ خَالِدٌ فِي النَّارِ -وَهُوَ كَافِرٌ تَبَعًا لِذَلِكَ-! قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النِّسَاء: ٩٣] (٢)، فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا؟

الجَوَابُ: لَا يَصِحُّ، وَذَلِكَ مِنْ أَوجُهٍ (٣):

أ- أَنَّ المُرَادَ بِالخُلُودِ هُوَ لِمُسْتَحِلِّ ذَلِكَ، وَالمُسْتَحِلُّ كَافِرٌ إِجْمَاعًا، وَتَبَعًا لِذَلِكَ هُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى قَولِهِ: ﴿مُتَعَمِّدًا﴾ (أَي: مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ) (٤) (٥).


(١) وَلِتَمَامِ الفَائِدَةِ انْظُرْ شَرْحَ (بَابِ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ) مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَمَا فِيهِ مِنَ الكَلَامِ عَلَى نُصُوصِ الوَعِيدِ، وَفِي ظَاهِرِ هَذِهِ النُّصُوصِ إِشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُفهَمُ مِنْهَا الكُفْرُ المُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ؛ وَأَنَّ صَاحِبَهَا خَالِدٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ!
(٢) وَبِمَعْنَاهَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: ((كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَاّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكَا أَو قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا)) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٢٧٠). صَحِيحُ الجَامِعِ (٤٥٢٤).
(٣) وَهِيَ أَوجَهُهَا. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(٤) أَورَدَهُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيرِ (٥/ ٣٣٤).
(٥) قُلْتُ: وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (٤٢٧٠) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: ((مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ؛ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)). صَحِيحٌ. صَحِيحُ الجَامِعِ (٦٤٥٤).
قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (٧/ ٣٤٨): "وفِي الحَدِيثِ: ((مَن قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بقتْلِه؛ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا))؛ هَكَذَا جَاءَ الحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الحَدِيثِ: قَالَ خَالِدُ بْنُ دَهْقَان -وَهُوَ رَاوِي الحَدِيثِ-: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى الغَسَّانِيِّ عَنْ قَولِهِ: ((اِعْتبَطَ بِقَتْلِهِ))، قَالَ: الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي الفِتْنَةِ؛ فَيَرَى أَنَّهُ عَلَى هُدَى؛ لَا يَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الغِبْطةِ -بِالغَينِ المُعْجَمَةِ- وَهِيَ الفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَحُسْنُ الحَالِ، لِأَنَّ القَاتِلَ يَفْرَحُ بِقَتْل خَصْمِهِ، فَإِذَا كَانَ المَقْتُولُ مُؤْمِنًا وَفَرِحَ بِقَتْلِهِ دَخَلَ فِي هَذَا الوَعِيدِ.
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ -وَشَرَحَ هَذَا الحَدِيثَ- فَقَالَ: اعْتَبَطَ قَتْلَهُ، أَي: قَتَله ظُلْمًا لَا عَنْ قِصَاصٍ".

<<  <  ج: ص:  >  >>