للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسَائِلُ عَلَى البَابِ

- المَسْأَلَةُ الأُولَى: هَلْ للهِ تَعَالَى صِفَةُ الأَصَابِعِ حَقِيقَةً؟

أَمْ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنَى المُلْكِ وَالتَّصَرُّفِ، لِأَنَّ إِثْبَاتَ الأَصَابِعِ للهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى التَّجْسِيمِ! وَقَدْ جَاءَ فِي البُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ضَحِكَ مِنْ قَولِ اليَهُودِيِّ لَمَّا سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ، وَهَذَا أَيضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّها مِنْ وَصْفِ اليَهُودِ المُجَسِّمَةِ للهِ تَعَالَى! (١)


(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : "وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: لَمْ يَقَعْ ذِكْرُ الإِصْبَعِ فِي القُرْآنِ وَلَا فِي حَدِيثٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اليَدَ لَيسَتْ بِجَارِحَةٍ حَتَّى يُتَوَهَّمَ مِنْ ثُبُوتِهَا ثُبُوتُ الأَصَابِعِ، بَلْ هُوَ تَوقِيفٌ أَطْلَقَهُ الشَّارِعُ فَلَا يُكَيَّفُ وَلَا يُشَبَّهُ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ الأَصَابِعِ مِنْ تَخْلِيطِ اليَهُودِيِّ! فَإِنَّ اليَهُودَ مُشَبِّهَةٌ، وَفِيمَا يَدَّعُونَهُ مِنَ التَّورَاةِ أَلْفَاظٌ تَدْخُلُ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مَذَاهِبِ المُسْلِمِينَ، وَأَمَّا ضَحِكُهُ مِنْ قَولِ الحَبْرِ فَيَحْتَمِلُ الرِّضَى وَالإِنْكَارَ، وَأَمَّا قَولُ الرَّاوِي: (تَصْدِيقًا لَهُ) فَظَنٌّ مِنْهُ وَحُسْبَانٌ، وَقَدْ جَاءَ الحَدِيثُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لَيسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِحُمْرَةِ الوَجْهِ عَلَى الخَجَلِ، وَبِصُفْرَتِهِ عَلَى الوَجَلِ، وَيَكُونُ الأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَكُونُ الحُمْرَةُ لِأَمْرٍ حَدَثَ فِي البَدَنِ كَثَوَرَانِ الدَّمِ، وَالصُّفْرَةُ لِثَوَرَانٍ خَلْطٍ مِنْ مِرَارٍ وَغَيرِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا فَهُوَ مَحْمُولٌ على تَأْوِيلِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ أَي: قُدْرَتُهُ عَلَى طَيِّهَا، وَسُهُولَةُ الأَمْرِ عَلَيهِ فِي جَمْعِهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَمَعَ شَيئًا فِي كَفِّهِ وَاسْتَقَلَّ بِحَمْلِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَجْمَعَ كَفَّهُ عَلَيهِ، بَلْ يُقِلُّهُ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، وَقَدْ جَرَى فِي أَمْثَالِهِمْ: فُلَانٌ يُقِلُّ كَذَا بِإِصْبَعِهِ وَيَعْمَلُهُ بِخِنْصَرِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَقَدْ تَعَقَّبَ بَعْضُهُمْ إِنْكَارَ وُرُودِ الأَصَابِعِ لِوُرُودِهِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ كَالحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: ((إِنَّ قَلْبَ بَنِي آدَمَ بَينَ إِصْبَعَينِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ)) وَلَا يَرِدُ عَلَيهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَى القَطْعَ.
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ فِي المُفْهِمِ: "قَولُهُ: ((إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ .. )) إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ، هَذَا كُلُّهُ قَولُ اليَهُودِيِّ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّجْسِيمَ وَأَنَّ اللهَ شَخْصٌ ذُو جَوَارِحَ! كَمَا يَعْتَقِدُهُ غُلَاةُ المُشَبِّهَةِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَضَحِكُ النَّبِيُّ إِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ جَهْلِ اليَهُودِيِّ، وَلِهَذَا قَرَأَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أَي: مَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَلَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ المُحَقَّقَةُ، وَأَمَّا مَنْ زَادَ: (تَصْدِيقًا لَهُ) فَلَيسَتْ بِشَيءٍ؛ فَإِنَّهَا مِنْ قَولِ الرَّاوِي وَهِيَ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يُصَدِّقُ المُحَالَ، وَهَذِهِ الأَوصَافُ
=

<<  <  ج: ص:  >  >>