للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأَنْبِيَاء: ٨٧]، وَقَالَ : ((دَعْوَةُ ذِي النُّونِ -إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ-: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ)) (١).

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَينَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكَهْف: ٥٢] فَسَمَّى اللهُ تَعَالَى النِّدَاءَ مِنْهُم دُعَاءً.

٣ - إِنَّ هَذَا ضَلَالٌ مِنْ جِهَةِ المَعْنَى؛ فَمَا الغَايَةُ مِنْ نِدَائِهِم وَقَدْ فَرَّقَ اللهُ تَعَالَى بَينَ الحَيِّ وَالمَيِّتِ، وَجَعَلَ الاسْتِجَابَةَ لِلحَيِّ دُونَ المَيِّتِ، فَنِدَاؤُهُ هُوَ كَنِدَاءِ الجِدَارِ الأَصَمِّ، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَولَا أَنْ هَدَانَا اللهُ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلَا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ﴾ [فَاطِر: ٢٢]، وَقَالَ تَعَالَى أَيضًا: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأَحْقَاف: ٥] (٢).

٤ - إِنَّ الطَّلَبَ مِنَ الحَيِّ -سَوَاءً سُمِّيَ نِدَاءً أَو دُعَاءً- يَجُوزُ فِي الأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي أَقْدَرُ اللهُ تَعَالَى البَشَرَ عَلَيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأَنْفَال: ٧٢]، أَمَّا مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِاللهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ مِنَ الإِحْيَاءِ وَالإِمَاتَةِ وَالفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالفَوزِ بِالآخِرَةِ وَكَشْفِ الكُرُبَاتِ وَمَعْرِفَةِ مَا فِي الضَّمِيرِ


(١) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٥٠٥) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٥٦٩٥).
(٢) وَتَأَمَّلِ التَّعْبِيرَ بِـ (مَنْ) الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ المَدْعُوَّ مِنْ دُونِ اللهِ عَاقِلٌ وَلَيسَ بِجَمَادٍ أَصَمٍّ! فَهُم كَانُوا يَعْبُدُونَ الصَّالِحِينَ وَالمَلَائِكَةَ طَمَعًا فِي شَفَاعَتِهِم.

<<  <  ج: ص:  >  >>