للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرِّزْقِ بِالبَنِين وَالإِمْدَادِ بِالأَمْوَالِ مِنَ الغَيبِ وَكُلِّ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ طَاقَةِ البَشَرِ؛ فَلَا يَجُوزُ، وَهُوَ مِنَ الشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ الرُّبُوبِيَّةِ فَضْلًا عَنْ جِهَةِ العُبُودِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأَعْرَاف: ١٩٤].

وَأَيضًا الطَّلَبُ مِنَ الغَائِبِ مِنَ البَشَرِ -وَإِنْ كَانَ حَيًّا- لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ هَذَا المَدْعُوَ بَشَرٌ لَا يَسْمَعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْمَعُهُ البَشَر،؛ فَدَعْوَى سَمَاعِهِ وَحُضُورِهِ هُوَ إِشْرَاكٌ بِهِ مَعَ اللهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ مَعَنَا أَينَمَا كُنَّا، فَيَكُونُ ذَلِكَ شِرْكًا فِي المَعِيَّةِ وَالعِلْمِ وَالإِحَاطَةِ.

وَقَدْ سَبَقَ أَيضًا أَنَّ نِدَاءَ الأَمْوَاتِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَعْمَالِ الكُفَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النَّحْل: ٢١].

وَأَخِيرًا؛ أَقُولُ: بَلْ لَو كَانَ المَيِّتُ يَقْضِي حَوَائِجَ المُسْلِمِينَ؛ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الجاري بَعْدَ مَوتِهِ الَّذِي يُؤْجَرُ عَلَيهِ؛ فَمَا الجَمْعُ مَعَ الحَدِيثِ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)) (١)؟! وَلَكِنَّ الأَمْرَ هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يُونُس: ٣٢].

وَيُقَالُ أَيضًا لِهَذَا المُسَاوِي بَينَ الحَيِّ وَالمَيِّتِ أَنَّهُ لَو أَعْطَى إِنْسَانٌ إِنْسَانًا مَالًا وَقَالَ: أَودِعْهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، فَذَهَبَ بِهِ الوَكِيلُ وَأَودَعَهُ عِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ أَوْ


(١) صَحِيحُ مُسْلِمٍ (١٦٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>