للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وَمِمَّا يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ هُنَا أَنَّ "العَرَبَ كَانَتْ فِي جَاهِلِيَّتِهَا تُقِرُّ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ. قَالَ ابْنُ قُتَيبَةَ وَغَيرُهُ: مَا زَالَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا مُقِرَّةً بِالْقَدَرِ. وَقَدْ قَالَ عَنْتَرَةُ: يَا عَبْلُ؛ أَينَ مِنَ المَنِيَّةِ مَهْرَبٌ … إِنْ كَانَ رَبِّي فِي السَّمَاءِ قَضَاهَا" (١).

- قَولُهُ: ((تُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ)) الخَيرُ وَالشَّرَّ هُنَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَجِدُهُ الإِنْسَانُ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا فَاللهُ تَعَالَى أَفْعَالُهُ كُلُّهَا خَيرٌ، لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِحِكْمَتِهِ، وَفي الحَدِيثِ: ((والشَّرُّ لَيسَ إِلَيكَ)) (٢)، وَمِن مِثَالِهِ مَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الرُّوم: ٤١].

وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النُّور: ١١].

وَكَذَا قَولَهُ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيرِ فِتْنَةً وَإِلَينَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأَنْبِيَاء: ٣٥].

وَقَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ بَابِ (مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ) حَدِيثُ أَنَسٍ؛ وَفِيهِ قَولُهُ : ((أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ)) مَعَ قَولِهِ أَيضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ: ((والشَّرُّ لَيسَ إِلَيكَ))؛ وَأَنَّ جَوَابَ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ مَخْلُوقَانِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّ الشَّرَّ لَيسَ مَقْصُودًا ابْتِدَاءً! بَلْ هُوَ خَيرٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَآلِهِ؛ فَيَظْهُرُ فِيهِ فَضْلُ اللهِ تَعَالَى عَلَى


(١) مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ (٥/ ١٨٣) لِابْنِ تَيمِيَّةَ.
(٢) وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (٧٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>