للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


=
التَّقْدِيرُ، وَبِالقَضَاءِ الخَلْقُ، كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ أَي: خَلَقَهُنَّ، فَالقَضَاءُ وَالقَدَرُ أَمْرَانِ مُتَلَازِمَانِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الأَسَاسِ وَهُوَ القَدَرُ، وَالآخَرُ بِمَنْزِلَةِ البِنَاءِ وَهُوَ القَضَاءُ، فَمَنْ رَامَ الفَصْلَ بَينَهُمَا فَقَدْ رَامَ هَدْمَ البِنَاءِ وَنَقْضَهُ".
وَقَالَ الشَّيخُ عَبْدُ الرَّحْمَن ِبْنِ حَسَن آلِ الشَّيخِ فِي كِتَابِ الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ فِي الأَجْوِبَةِ النَّجْدِيَّةِ (٣/ ٢١٣): "وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنِ الفَرْقِ بَينَ القَضَاءِ وَالقَدَرِ؟ فَالقَدَرُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الإِيمَانِ، كَمَا فِي سُؤَالِ جِبْرِيلَ ، وَمَا أَجَابَهُ بِهُ رَسُولُ اللهِ حِينَ سَأَلَهُ، قَالَ: ((الإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَومِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرَّهِ))، وَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَم، فَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ)) أَي: جَرَى بِمَا يَكُونُ مِمَّا يَعْلَمُ اللهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ؛ لَو كَانَ كَيفَ يَكُونُ، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سَبَأ: ٣].
وَأَمَّا القَضَاءُ: فَيُطْلَقُ فِي القُرْآنِ وَيُرَادُ بِهِ إِيجَادُ المُقَدَّرِ، كَقَولِهِ: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَينِ﴾ [فُصِّلَت: ١٢]، وَقَولِهِ: ﴿فَلَمَّا قَضَينَا عَلَيهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ [سَبَأ: ١٤].
وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الإِخْبَارُ بِمَا سَيَقَعُ مِمَّا قَدَّرَ، كَقَولِهِ: ﴿وَقَضَينَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾ [الإِسْرَاءُ: ٤]، أَخْبَرَهُم فِي كِتَابِهِم أَنَّهُم يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ مَرَّتَينِ.
وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الأَمْرُ وَالوَصِيَّةُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإِسْرَاء: ٢٣ - أَي: أَمَرَ وَوَصَّى.
وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الحُكْمُ، كَقَولِهِ: ﴿وَقُضِيَ بَينَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الزُّمَر: ٦٩).
وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ القَدَرُ، وَنَحْو ذَلِكَ".
وَقَالَ الشَّيخُ العَلَّامَةُ ابْنُ عُثَيمِين فِي كِتَابِهِ شرْحُ العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ (٢/ ١٨٧): "وَلِهَذَا نَقُولُ: إِنَّ القَضَاءَ وَالقَدَرَ مُتَبَايِنَانِ إِنْ اجْتَمَعَا، وَمُتَرَادِفَانِ إِنْ تَفَرَّقَا؛ عَلَى حَدِّ قَولِ العُلَمَاءِ: هُمَا كَلِمَتَانِ إِنْ اجْتَمَعَتَا افْتَرَقَتَا، وَإِنْ افْتَرَقَتَا اجْتَمَعَتَا. فَإِذَا قِيلَ: هَذَا قَدَرُ اللهِ؛ فَهُوَ شَامِلٌ لِلقَضَاءِ، أَمَّا إِذَا ذُكِرَا جَمِيعًا؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنًى.
فَالتَّقْدِيرُ: هُوَ مَا قَدَّرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الأَزَلِ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْقِهِ، وَأَمَّا القَضَاءُ: فَهُوَ مَا قَضَى بِهِ اللهُ فِي خَلْقِهِ مِنْ إِيجَادٍ أَو إِعْدَامٍ أَو تَغْيِيرٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ سَابِقًا".
=

<<  <  ج: ص:  >  >>