(٢) وَتَمَامُ الحَدِيثِ كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٢٧٠٣)، وَمُسْلِمٍ (١٦٣٥) عَنْ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ -وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا العَفْوَ؛ فَأَبَوا، فَأَتَوا النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَهُمْ بِالقصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللهِ؟! لَا؛ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَقَالَ: ((يَا أَنَسُ؛ كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ))، فَرَضِيَ القَومُ وَعَفَوا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَو أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)).وَالأَرْشُ: هُوَ دِيَّةُ الجِرَاحَةِ.قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي الفَتْحِ (١١/ ٥٤٣): "وَقَولُهُ: ((لَو أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)) أَي: لَو حَلَفَ يَمِينًا عَلَى شَيءٍ أَنْ يَقَعَ -طَمَعًا فِي كَرَمِ اللهِ بِإِبْرَارِهِ- لَأَبَرَّهُ وَأَوقَعَهُ لِأَجْلِهِ".(٣) وَالحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ رَجَاءِ المُقْسِمِ بِاللهِ تَعَالَى، وَعَلَى حُسْنِ ظَنَّهِ بِرَبِّهِ؛ أَنَّهُ تَعَالَى سَيُنْجِزُ لَهُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا اشْتُهِرَ عَنِ بَعْضِ المُتَصَوِّفَةِ مِنْ قَولِهِم عَنِ الأَولِيَاءِ الصَّالِحِينَ: "إِنَّ للهِ عِبَادًا؛ إِذَا أَرَادُوا أَرَادَ"!! فَهَذَا فِيهِ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَ اللهِ تَعَالَى -إِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا-، وَذَلِكَ لِجَعْلِ إِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى تَابِعَةً وَمَحْكُومَةً لِإِرَادَةِ المَخْلُوقِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإِنْسَان: ٣٠].فَهَذَا الوَجْهُ جَازَ بِسَبَبِ مَعْرِفَةِ العَبْدِ بِمَا أَرْشَدَتْ إِلَيهِ عُمُومُ الشَّرِيعَةِ مِن صِفَاتِ اللهِ، وَجَزَاءِ مَن رَجَا وَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ، وَنَصْرِهِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَخِذْلَانِهِ لِأَعْدَائِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute