للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفِيهِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ بِمَا فِي القُلُوبِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ.

وَفِي الحَدِيثِ أَيضًا: ((أَلَا إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ؛ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ)) (١).

وَكَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي رَدِّهَا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ؛ حَيثُ قَالَتْ : (وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ؛ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ؛ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ﴾) (٢).

٢ - أَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ النَّبِيُّ مِنْ أُمُورِ المُغَيَّبَاتِ؛ فَهُوَ بِإِطْلَاعِ اللهِ تَعَالَى لَهُ عَلَيهِ وَلَيسَ اسْتِقْلَالًا!

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الرَّعْد: ٣٨].

وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ اللهُ تَعَالَى الإِظْهَارَ مِنْهُ إِلَى نَبِيِّهِ، وَنَفَى عَنْهُ العِلْمَ.


=
فَإِنَّهُ تَعَالَى -لَو شَاءَ- لَأَطْلَعَهُ عَلَى سَرَائِرِ عِبَادِهِ وَمُخَبَّئَاتِ ضَمَائِرِ أُمَّتِهِ؛ فَتَوَلَّى الحُكْمَ بَينَهُمْ بِمُجَرَّدِ يَقِينِهِ وَعِلْمِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى اعْتِرَافٍ أَو بَيِّنَةٍ أَو يَمِينٍ أَو شُبْهَةٍ! وَلَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللهُ أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَقَضَايَاهُ وَسِيَرِهِ، وَكَانَ هَذَا -لَو كَانَ- مِمَّا يُخَصُّ بِعِلْمِهِ وَيُؤْثِرُهُ اللهُ بِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ! وَلَا قَامَتْ حُجَّةٌ بِقَضِيَّةٍ مِنْ قَضَايَاهُ لِأَحَدٍ فِي شَرِيعَتِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا أُطْلِعَ عَلَيهِ هُوَ فِي تِلْكَ القَضِيَّةِ بِحُكْمِهِ هُوَ إِذْنٌ فِي ذَلِكَ بِالمَكْنُونِ مِنْ إِعْلَامِ اللهِ لَهُ بِمَا أَطْلَعَهُ عَلَيهِ مِنْ سَرَائِرِهِمْ، وَهَذَا مَا لَا تَعْلَمُهُ الأُمَّةُ! فَأَجْرَى اللهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ عَلَى ظَوَاهِرِهِمُ الَّتِي يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيرُهُ مِنَ البَشَرِ لِيَتِمَّ اقْتِدَاءُ أُمَّتِهِ بِهِ فِي تَعْيِينِ قَضَايَاهُ وَتَنْزِيلِ أَحْكَامِهِ". الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى (٢/ ٢٤١).
(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٧٤٠) عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ مَرْفُوعًا.
(٢) البُخَارِيُّ (٤٨٥٥)، وَمُسْلِمٌ (١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>