للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِصْيَانِهِم؛ وَلَيسَ مِنْ جِهَةِ شِرْكِهِم فَقَطْ!

وَلَا يَخْفَى عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ المَشْهُورَةُ الَّتِي تُثْبِتُ دُخُولَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوحِيدِ النَّارَ -مِمَّنْ لَهُم مَعَاصٍ لَمْ يَتُوبُوا مِنْهَا؛ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُم ابْتِدَاءً- ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا بِإِذْنِ اللهِ.

وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البَقَرَة: ٢٥٤] (١)، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ أَهْلَ الإِيمَانِ بِالنَّفَقَةِ مُحَذِّرًا إِيَّاهُم مِنْ إِتْيَانِ يَومٍ لَا تَنْفَعُهُم فِيهِ شَفَاعَةٌ؛ الأَمْرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَيسَتْ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الحَاصِلِ لِأَهْلِ المِلَّةِ! بَلْ هِيَ مَقْرُونَةٌ بِرِضَى الرَّبِّ عَنِ المَشْفُوعِينَ وَإِذْنِهِ لِلشَّافِعِينَ بِالشَّفَاعَةِ، هَذَا كُلُّهُ عَدَا عَنْ كَونِهَا دَرَجَاتٍ فِي حَقِيقَتِهَا.

٤ - إِنَّ النَّبِيَّ قَدْ بَيَّنَ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ الشَّرِيفَةِ أَنَّ شَفَاعَتَهُ تُنَالُ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ -وَلَيسَ بِالدَّعَوَاتِ الفَارِغَةِ مِنَ المَضْمُونِ- وَأَهَمُّ هَذِهِ الأَعْمَالِ التَّوحِيدُ، كَمَا فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: ((لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ لِمَا رَأَيتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَومَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ)) (٢).


(١) وَمِثْلُهَا قَولُ اللهِ ﷿: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأَنْعَام: ٥١]؛ حَيثُ كَانَ الإِنْذَارُ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ؛ وَأَنَّ العِلْمَ بِذَلِكَ هُوَ سَبَبُ التَّقْوَى.
(٢) البُخَارِيُّ (٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>