للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- فِي تَفْسِيرِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى * أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾ [النَّجْم: ١٩ - ٢٥].

قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ: " ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي رَآهَا لَيلَةَ أُسْرِيَ بِهِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، وَالأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ وَتَوحِيدِهِ؛ ذَكَرَ بُطْلَانَ مَا عَلَيهِ المُشْرِكُونَ مِنْ عِبَادَةِ مَنْ لَيسَ لَهُ مِنْ أَوصَافِ الكَمَالِ شَيءٌ، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَإِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءٌ فَارِغَةٌ عَنِ المَعْنَى، سَمَّاهَا المُشْرِكُونَ هُمْ وَآبَاؤُهُم الجُهَّالُ الضُّلَالُ، ابْتَدَعُوا لَهَا مِنَ الأَسْمَاءِ البَاطِلَةِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّهَا، فَخَدَعُوا بِهَا أَنْفُسَهُم وَغَيرَهُم مِنَ الضُّلَّالِ، فَالآلِهَةُ الَّتِي بِهَذِهِ الحَالِ؛ لَا تَسْتَحِقُّ مِثْقَالَ ذَرَةٍ مِنَ العِبَادَةِ، وَهَذِهِ الأَنْدَادُ الَّتِي سَمَّوهَا بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ؛ زَعَمُوا أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَوصَافٍ هِيَ مُتَّصِفَةٌ بِهَا، فَسَمَّوا (اللَاتَ) مِنَ (الإِلَهِ) المُسْتَحِقِّ لِلعِبَادَةِ، وَ (العُزَّى) مِنَ (العَزِيزِ)، وَ (مَنَاةَ) مِنَ (المَنَّانِ) إِلْحَادًا فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَتَجَرِّيًا عَلَى الشِّرْكِ بِهِ، وَهَذِهِ أَسْمَاءٌ مُتَجَرِّدَةٌ عَنِ المَعَانِي، فَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ يَعْلَمُ بُطْلَانَ هَذِهِ الأَوصَافِ فِيهَا.

﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى﴾ أَي: أَتَجْعَلُونَ للهِ البَنَاتِ بِزَعْمِكُم، وَلَكُمُ البَنُونَ؟ ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ أَي: ظَالِمَةٌ جَائِرَةٌ (١).


(١) قَالَ البَغَوِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (٧/ ٤٠٩): "قَالَ الكَلْبِيُّ -مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ-: كَانَ المُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ يَقُولُونَ: الأَصْنَامُ وَالمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُم إِذَا بُشِّرَ بِالأُنْثَى كَرِهَ ذَلِكَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>