للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - أَنَّ التَّبَرُّكَ بِشَيءٍ يَجْرِي عَلَى النَّحْوِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ.

فَالتَّبَرُّكُ بِالمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ بِالصَّلَاةِ فِيهَا؛ وَلَيسَ بالتَّمَسُّحِ بِجُدْرَانِهَا وَأَرْضِهَا! وَالتَّبَرُّكُ بِالقُرْآنِ يكَونُ بِتِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالعَمَلِ بِهِ؛ لَا بِجَعْلِهِ تَمِيمَةً! أَو غَسْلِ أَورَاقِ المُصْحَفِ وَشُرْبِهَا! وَهَكَذَا كُلٌّ وُفْقَ مَا وَرَدَ.

- مَعْنَى (تَبَارَكَ): قَالَ فِيهِ أَهْلُ العِلْمِ مَعْنَيَينِ:

الأَوَّلُ: تَعَاظَمَ، فَقَدْ جَاءَتِ اللَّفْظَةُ عَلَى بِنَاءِ السَّعَةِ وَالمُبَالَغَةِ كَـ (تَعَالَى) وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى كَمَال العُلُوِّ، فَكَذَلِكَ (تَبَارَكَ) دَالَّةٌ عَلَى كَمَالِ بَرَكَتِهِ وَعِظَمِهَا وَسِعَتِهَا (١).

الثَّانِي- تَبَارَكَ: أَي: جَاءَ بِكُلِّ برَكَةَ.

ولِمَا سَبَقَ مِنَ المَعْنَى؛ فَهِيَ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيرِ اللهِ تَعَالَى، فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى كَمَا أَطْلَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِقَولِهِ: ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأَعْرَاف: ٥٤]، أَلَا تَرَاهَا كَيفَ اطَّرَدَتْ فِي القُرْآنِ جَارِيَةً عَلَيهِ مُخْتَصَّةً بِهِ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيرِهِ (٢).


(١) قَالَ الشَّيخُ صَالِحُ آلِ الشَّيخِ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ -شَرِيط رَقَم (١١) -: "ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: (تَبَارَكَ): تَعَاظَمَ. قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ المُحَقَّقِينَ: لَا يُرِيدُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَولِهِ: (تَبَارَكَ: تَعَاظَمَ) أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلَّفْظِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: هِيَ عَلَى وَزْنِها مِنْ جِهِةِ كَونِهَا مَقْصُورَةً، لِأَنَّ الأَصْلَ فِي (تَفَاعَلَ) أَنْ يَكُونَ بَينَ اثْنَينِ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا، تَقُولُ: تَقَاتَلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَتَشَاجَرَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَهَكَذَا، فَـ (تَفَاعَلَ) فِي الأَصْلِ أَنَّهَا تَكُونُ بَينَ اثْنَينِ.
فَابْنُ عَبَّاسٍ فَسَّرَهَا بِمَعْنَى (تَعَاظَمَ)، يُرِيدُ أَنَّهَا لَازِمةٌ، لَا يُرِيدُ مَعْنَى كَلِمَةَ (تَبَارَكَ)! وَإِلَّا فَإِنَّ البَرَكَةَ مَعْنَاهَا دَوَامُ الخَيرِ وَثَبَاتُهُ وَاسْتِقْرَارُهُ، وَهَذَا مُشْتَقٌّ عِنْدَ العَرَبِ مِنَ البُرُوكِ وَالبِرْكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالبُرُوكُ بِهِ يَسْتَقِرُ البَعِيرُ وَيَثْبُتُ فِي مَكَانِهِ، والبِرْكَةُ هِيَ الَّتِي فِيهَا يَدُومُ المَاءُ وَيَسْتَقِرُ وَيَثْبُتُ بَعْدَ المَطَرِ". وَاللهُ أَعْلَمُ.
(٢) وَتَفْسِيرُ السَّلَفِ يَدُورُ عَلَى هَذِينِ المَعْنَيَينِ. يُنْظَرُ: (بَدَائِعُ الفَوَائِدِ) لِابْنِ القَيِّمِ (ص ٦٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>