للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِاليَدِ وَتَقْبِيلُهُ، بَلِ الأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ كَمَا يَبْعُدُ مِنْهُ لَوْ حَضَرَ في حَيَاتِهِ ، هذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ العُلَمَاءُ وَأطْبقُوا عَلَيهِ.

وَيَنْبَغِي أنْ لَا يُغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِنَ العَوَامِّ فِي مُخَالَفَتِهِمْ ذلِكَ؛ فَإِنَّ الاقْتِدَاءَ وَالعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَقْوَالِ العُلماءِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلى مُحْدَثَاتِ العَوَامِّ وَجَهَالَاتِهِم، وَلَقَدْ أَحْسَنَ السَّيِّدُ الجَلِيلُ أبُو عَلِيٍّ -الفُضَيلُ بنُ عِيَاضِ- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلهِ مَا مَعْنَاهُ: اتَّبْعِ طُرُقَ الهُدَى وَلَا يَضُرُّكَ قِلَّةُ السَّالِكِينَ، وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلَاَلَةِ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الهَالِكِينَ! وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أنَّ المَسْحَ بِاليَدِ وَنَحْوَهُ أَبْلَغُ فِي البَرَكَةِ! فَهُوَ مِنْ جَهَالَتِهِ وَغَفْلَتِهِ، لَأَنَّ البَرَكَةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَأَقْوَالَ العُلَمَاءِ، وَكَيفَ يُبْتَغَى الفَضْلُ فِي مُخَالَفَةِ الصَّوَابِ؟! " (١).

وَقَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ : "وَأَمَّا التَّمَسُّحُ بِقَبْرِ النَّبِيِّ وَتَقْبِيلُهُ؛ فَكُلُّهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا قَصَدَهُ النَّبِيُّ مِنْ حَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ" (٢).

- الوَجْهِ الرَّابِعِ: حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ التَّمَسُّحَ -مُحَاوَلَةً فِي التَّوفِيقِ مَعَ الرِّوَايَةِ المُسْتَنْكَرَةِ تِلْكَ- عَلَى أَنَّ مَسَّ القَبْرِ لَيسَ المَقْصُودُ مِنْهُ التَّبَرُّكَ! وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى مُصَافَحَةِ الحَيِّ.

قَالَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى الحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ (المَسَائِلُ الفِقْهِيَّةُ مِن كِتَابِ


(١) الإِيضَاحُ فِي مَنَاسِكِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ لِلنَّوَوِيِّ (ص ٤٥٦).
(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٢٧/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>