للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالسُّؤَالِ وَالاسْتِعَانَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ؛ أَنَّ تَقْدِيمَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ يُفِيدُ الحَصْرَ (١).

وَهُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ المُنَافِقَ -بِسَبَبِ كَونِ كُفْرِهِ غَيرَ ظَاهِرٍ- فَإِنَّ النَّبِيِّ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِشَيءٍ لِكَونِهِ يَسْتَتِرُ بِكُفْرِهِ ولا يُظْهِرُهُ، فَصَارَ فِيهِ الدِّلَالَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ وَالإِطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي الصُّدُورِ.

- إِنَّ إِفْرَادَ اللهِ تَعَالَى بِالسُّؤَالِ وَالاسْتِعَانَةِ -فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ مَثَلًا- يَكُونُ عَلَى مَرْتَبَتِينِ:

١ - مَرْتَبَةٍ وَاجِبَةٍ: وَهِيَ التَّوحِيدُ، بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِاللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَإِنَّ صَرْفَ ذَلِكَ لِغَيرِهِ تَعَالَى شِرْكٌ بِهِ.

٢ - مَرْتَبَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ: وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَهُ أنْ يَقُومَ بِالمَطْلُوبِ وَحْدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَيئًا (٢).

وَهَذِهِ المَرْتَبَةُ قَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ البَيعَةَ عَلَيهَا مِنْ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَمرَهُم أَلَّا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيئًا، كَمَا فِي الحَدِيثِ عَنْ عَوفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ؛ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -تِسْعَةً، أَو ثَمَانِيَةً، أَو سَبْعَةً- فَقَالَ: ((أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟)) -وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيعَةٍ- قُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ! -حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا-، فَبَسَطْنَا أَيدِيَنَا فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ؛ فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَتُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، وَتَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا)) -وَأَسَرَّ كَلِمَةً خُفْيَةً- قَالَ: ((وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيئًا)). قَالَ: فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوطُهُ؛ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا


(١) الكُلِّيَّاتُ لِأَبِي البَقَاءِ الكَفَوِيّ (ص ١٠٦٥).
(٢) يَعْنِي: بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ وَلَا مِنَّةٍ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَمْرُكَ لِزَوجِكَ وَعَامِلِكَ وَغَيرِهِمَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>