للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُبْهَةٌ وجَوَابُهَا:

اعْتَرَضَ المُثْبِتُونَ لِلسَّمَاعِ بِأَنَّ الآيَتَينِ مَجَازٌ، وَأَنَّهُ لَيسَ المَقْصُودُ -في الآيَتَيِنْ- بِـ ﴿الْمَوْتَى﴾ وَبِـ ﴿مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ المَوتَى حَقِيقَةً الَّذِينَ فِي قُبُورِهِم، وَإِنَّمَا المُرَادُ بِهِم الكُفَّارُ الأَحْيَاءُ حَيثَ شُبِّهُوا بِالمَوتَى.

وَالجَوَابُ:

أَنَّهُ لَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ مَنْ تَدَبَّرَ الآيَتَينِ وَسِياقَهُمَا أَنَّ المَقْصُودَ بِالأَمْوَاتِ هُنَا هُمُ الكُفَّارُ فِعْلًا، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ لَا خِلافَ بَينَهُم فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الاسْتِدْلَالِ بِالآيَتَينِ عَلَى مَا سَبَقَ، لِأَنَّ المَوتَى لَمَّا كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ حَقِيقَةً -وَكَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عِنْدَ المُخَاطَبِينَ- شَبَّهَ اللهُ تَعَالَى بِهِمُ الكُفَّارَ الأَحْيَاءَ فِي عَدَمِ السَّمَاعِ، فَدَلَّ هَذَا التَّشْبِيهُ عَلَى أَنَّ المُشَبَّهَ بِهِم -وَهُمُ المَوتَى فِي قُبُورِهِم- لَا يَسْمَعُونَ.

كَمَا يَدُلُّ -مَثَلًا- تَشْبِيهُ زَيدٍ فِي الشَّجَاعَةِ بِالأَسَدِ عَلَى أَنَّ الأَسَدَ شُجَاعٌ، بَلْ هُوَ فِي ذَلِكَ أَشْجَعُ مِنْ زَيدٍ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ شُبِّهَ بِهِ -وَإِنْ كَانَ الكَلَامُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّحَدُّثِ عَنْ شَجَاعَةِ الأَسَدِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَنْ زَيدٍ-، وَكَذَلِكَ الآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ -وَإِنْ كَانَتَا تَحَدَّثَتَا عَنِ الكُفَّارِ الأَحْيَاءِ، وشُبِّهُوا بِمَوتَى القُبُورِ-؛ فَذَلِكَ لَا يَنْفِي أَنَّ مَوتَى القُبُورِ لَا يَسْمَعُونَ، بَلْ إِنَّ كُلَّ عَرَبِيٍّ -سَلِيمَ السَّلِيقَةِ- لَا يَفْهَمُ مِنْ تَشْبِيهِ مَوتَى الأَحْيَاءِ بَهَؤُلَاءِ إِلَّا أَنَّ هَؤُلَاءَ أَشَدُّ فِي عَدَمِ السَّمَاعِ مِنْهُم كَمَا فِي المِثَالِ السَّابِقِ (١).


(١) أَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ لَفْتِ النَّظَرِ إِلَى أَنَّ الأَمْرَ كُلَّمَا زَادَ وُضُوحُهُ صَعُبَ إِيجَادُ مَنْ يَنُصُّ عَلَيهِ بِلَفْظِهِ، فَمَثَلًا يَصْعُبُ أَنْ تَجِدَ مَنْ يَنُصُّ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ وَاضِحَةٌ، وَعَلَى أَنَّ البَشَرَ يَنْطِقُونَ، وَعَلَى أَنَّ
=

<<  <  ج: ص:  >  >>