للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّ العَرَبَ فِي كَلَامِهَا تَسْتَخْدِمُ لَفْظَ القَولِ لِغَيرِ الكَلَامِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ بِيَدِهِ هَكَذَا (أَي: إِشَارَةً عَلَى صِفَةِ مَا)، وَكَمَا يُقَالُ: قَالَتِ السَّمَاءُ هَكَذَا (لِوَصْفِ نُزُولِ المَطَرِ)، أَو قَولُهُم: قُلْتُ فِي نَفْسِي. وَكُلُّ ذَلِكَ لَيسَ فِيهِ حَقِيقَةُ الكَلَامِ؟!

وَالجَوَابُ: إِنَّ هَذَا مَعْرُوفٌ فِي لُغَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ لَا يَأْتِي عَلَى سَبِيلِ الإِطْلَاقِ! وَإِنَّمَا يَكُونُ مُقَيَّدًا بِمَا يَدُلُّ عَلَيهِ، كَقَولِ (هَكَذَا)، أَو قَولِ الصَّخْرةِ (طِق) مَثَلًا، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ النَّصِّ عَنْ ظَاهِرِهِ دُونَ قَرِينَةٍ.

بَلْ إِنَّهُ قَدْ دَلَّتْ بَعْضُ النُّصُوصِ عَلَى حَقِيقَةِ الكَلَامِ للهِ تَعَالَى بِلَفْظِ المَفْعُولِ المُطْلَقِ الَّذِي يَنْفِي المَجَازَ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النِّسَاء: ١٦٤].

قَالَ البَغَوِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ: "قَالَ الفَرَّاءُ: العَرَبُ تُسَمِّي مَا يُوصَلُ إِلَى الإِنْسَانِ كَلَامًا بِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ، وَلَكِنْ لَا تُحقِّقُهُ بِالمَصْدَرِ، فَإِذَا حُقِّقَ بِالمَصْدَرِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا حَقِيقَةَ الكَلَامِ" (١).

وَأَمَّا حَدِيثُ النَّفْسِ فَلَا يُسَمَّى كَلَامًا إِلَّا بِقَيدِ النَّفْسِ، أَمَّا إِذَا أُطْلِقَ فَلَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى الكَلَامِ المَسْمُوعِ (٢).


(١) تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ (٢/ ٣١١).
(٢) قَالَ الشَّيخُ الغُنَيمَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ التَّوحِيدِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ (٢/ ٢٣٣): "القَولُ إِذَا أُسْنِدَ إِلَى مَا لَا يَعْقِلُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُقيَّدَ بِالفِعْلِ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ ذَلِكَ المُسْنَدِ إِلَيهِ، لِأَنَّ القَولَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَلِكَ الفِعْلِ".
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي الفَتْحِ (٢/ ٢٦٧): "وَالْقَولُ إِذَا وَقَعَ بِهِ الخِطَابُ مُطْلَقًا؛ حُمِلَ عَلَى الجَهْرِ، وَمَتَى أُرِيدَ بِهِ الإِسْرَارُ أَو حَدِيثُ النَّفس قُيِّدَ بِذَلِكَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>