للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيَها بَيَانُ أُمُورٍ:

فِي قَولِهِ: ﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾ أَضَافَهُ إِلَى أُمِّهِ لِيَقْطَعَ قَولَ النَّصَارَى الَّذِينَ يُضِيفُونَهُ إِلَى اللهِ.

فِي قَولِهِ: ﴿رَسُولُ اللَّهِ﴾ تَكْذِيبٌ لِقَولِ اليَهُودِ: إِنَّهُ كَذَّابٌ، وَلِقَولِ النَّصَارَى: إِنَّهُ إِلَهٌ.

فِي قَولِهِ: ﴿وَكَلِمَتُهُ﴾ إِبْطَالٌ لِقَولِ اليَهُودِ: إِنَّهُ ابْنُ زِنَى.

- قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أَي أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِيسَى كَغِيرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ جَسَدٍ وَرُوحٍ، وَإِضَافَةُ الرُّوحِ إِلَيهِ سُبْحَانَهُ هِيَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيفِ وَالتِّكْرِيمِ، وَكَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ آدَمَ: ﴿فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ص: ٧٢] فَهَذِهِ أَيضًا لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ (١).

- الأَنْصَابُ: جَمْعُ نُصُبٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا يُنْصَبُ مِنْ عَصَا أَو حَجَرٍ أَو غَيرِهِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدُ وَعَطَاءُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ وَالحَسَنُ وَغَيرُ وَاحِدٍ: هِيَ حِجَارَة كَانُوا يَذْبَحُونَ قَرَابِينَهُمْ عِنْدهَا (٢).


(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (٢/ ٤٧٩): "فَقَولُهُ فِي الآيَةِ وَالحَدِيثِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ كَقَولِهِ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجَاثِيَة: ١٣] أَي: مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ، وَلَيسَتْ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ -كَمَا تَقُولُهُ النَّصَارَى- عَلَيهِمْ لَعَائِنُ اللهِ المُتَتَابِعَةُ، بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الغَايَةِ، كَمَا فِي الآيَةِ الأُخْرَى. وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَولِهِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أَي: وَرَسُولٌ مِنْهُ، وَقَالَ غَيرُهُ: وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ.
وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ أنَّه مَخْلُوقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوقَةٍ، وَأُضِيفَتِ الرُّوحُ إِلَى اللهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيفِ؛ كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالبَيتُ إِلَى اللهِ فِي قَولِهِ: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ﴾ [هُود: ٦٤]، وَفِي قَولِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحَجِّ: ٢٦] ".
وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ تَأْصِيلِ هَذِهِ المَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ بَابِ (فَضْلُ التَّوحِيدِ).
(٢) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (٣/ ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>