للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى مَا قَالَهُ أَهْلُ العِلْمِ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ قِصَّةِ أَوثَانِ قَومِ نُوحٍ أنَّهُم عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِم، ثُمَّ عَبَدُوهُم.

٥ - إِذَا كَانَتِ العِلَّةُ نَجَاسَةُ المَيِّتِ؛ فَلَا يَصِحُّ النَّهْيُ لِوُجُودِ القَدْرِ الكَبِيرِ مِنَ التُّرَابِ بَينَ سَطْحِ الأَرْضِ وَبَينَ المَيِّتِ (١).

وَأَخِيرًا؛ فَيُمْكِنُ القَولُ بِأَنَّ العِلَّةَ هِيَ النَّجَاسَةُ الحَاصِلَةُ بالشِّرْكِ، وَهِيَ نَجَاسَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ بَاقِيَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ بِالاسْتِحَالَةِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التَّوبَة: ٢٨] (٢).


=
رُكْنَي القَبْرِ الشَّمَالِيَّينِ، وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى التَقَيَا حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِقْبَالِ القَبْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيثِ: ((لَولَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذ مَسْجِدًا)). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ".
تَنْبِيهٌ: عَزُو إِدْخَالِ الحُجْرَةِ فِي المَسْجِدِ إِلَى الصَّحَابةِ لَا يَثْبُتُ؛ كَمَا أَوضَحَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي فِي كِتَابِهِ الصَّارِمُ المُنْكِي (ص ١٥١).
قُلْتُ: وَفِي (إِكْمَالُ المُعْلِمِ) (٢/ ٢٥٢) شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلقَاضِي عِيَاض: "وَلِهَذَا لَمَّا احْتَاجَ المُسْلِمُونَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِهِ لِتَكَاثُرِهِم بِالمَدِينَةِ، وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ أُدْخِلَ فِيهَا بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ" فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّحَابَةَ؛ فَتَنَبَّهْ.
(١) وَفِي البُخَارِيِّ (١٨٦٨) قِصَّةُ نَبْشِ قُبُورِ المُشْرِكِينَ لِبِنَاءِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، فَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ بإزَالَةِ التُّرَابِ الَّذِي يُفْتَرَضُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَظِنَّةَ التَّنَجُّسِ!
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (٣/ ٢٠٨): "وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ المَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ حَالَ خَشْيَةِ أَنْ يُصْنَعَ بِالقَبْرِ كَمَا صَنَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لُعِنُوا، وَأَمَّا إِذَا أُمِنَ ذَلِكَ فَلَا امْتِنَاعَ، وَقَدْ يَقُولُ بِالمَنْعِ مُطْلَقًا مَنْ يَرَى سَدَّ الذَّرِيعَةِ -وَهُوَ هُنَا مُتَّجِهٌ قَوِيٌّ-".
قَالَ الشَّيخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الفَتْحِ: "بَلْ هَذَا هُوَ الحَقُّ، لِعُمُومِ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ بِالنَّهْي عَنِ اتِّخَاذِ القُبُورِ مَسَاجِدَ، ولَعْنِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ بِنَاءَ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الشِّرْكِ بِالمَقْبُورِينَ فِيهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ".
قُلْتُ: وَالشِّرْكُ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَى أَصْحَابِهِ فَكَيفَ بِغَيرِهِم! وَفِي الحَدِيثِ: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيكُم
=

<<  <  ج: ص:  >  >>