للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ : "وَقَدْ غَلَطَ كَثِيرٌ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الأَئِمَّةِ عَلَى أَئِمَّتِهِم بِسَبَبِ ذَلِكَ، حَيثُ تَورَّعَ الأَئِمَّةُ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ وَأَطْلَقُوا لَفْظَ الكَرَاهَةِ، فَنَفَى المُتَأَخِّرُونَ التَّحْرِيمَ عَمَّا أَطْلَقَ عَلَيهِ الأَئِمَّةُ، ثُمَّ سَهُلَ عَلَيهِم لَفْظُ الكَرَاهَةِ وَخَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيهِم، فَحَمَلَهُ بَعْضُهُم عَلَى التَّنْزِيهِ فَحَصَلَ بِسَبَبِهِ غَلَطٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَعَلَى الأَئِمَّةِ" (١).

وَعَلَيهِ؛ فَإِنَّ قَولَ الشَّافِعِيِّ هُنَا يُقْصَدُ بِهِ التَّحْرِيمُ.

قُلْتُ: وَبِنَحْوِهِ قَولُهُ فِي (الأُمِّ) أَيضًا: "وَأَكْرَهُ النِّيَاحَةَ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ مَوتِهِ؛ وَأَنْ تَنْدُبَهُ النَّائِحَةُ عَلَى الانْفِرَادِ. لَكِن يُعزَّى بِمَا أَمَرَ اللهُ ﷿ مِنَ الصَّبْرِ وَالاسْتِرْجَاعِ، وَأَكْرَهُ المَأْتَمَ -وَهِيَ الجَمَاعَةُ- وَإِنْ لَمْ يَكْنْ لَهُم بُكَاءٌ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجَدِّدُ الحُزْنَ وَيُكَلِّفُ المُؤْنَةَ" (٢).

وَالشَّاهِدُ مِنْهُ قَولُهُ بِالكَرَاهَةِ لِلنِّيَاحَةِ؛ رُغْمَ مَا عُلِمَ مِنَ الحَدِيثُ -الَّذِي فِي مُسْلِمٍ- ((اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي الأنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ)) (٣).

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ -فِي سِيَاقِ الحَدِيثِ عَنِ النِّيَاحَةِ-: "وَكَذَا وَقَعَ لَفْظُ الكَرَاهَةِ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي (الأُمِّ) وَحَمَلَهَا الأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ الإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ" (٤).


(١) إِعْلَامُ المُوَقِّعِينَ (١/ ٣٢).
(٢) الأُمُّ (١/ ٣١٨).
(٣) صَحِيحُ مُسْلِمٍ (٦٧) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.
(٤) المَجْمُوعُ (٥/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>