للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَانِيٌ (١)، فَيَكُونُ النَّهْيُ هُوَ عَنْ كَثْرَةِ العَودِ إِلَيهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى الغُلوِّ.

- قَدْ عَمِلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ بِهَذَا الإِرْشَادِ النَّبَوِيِّ فَلَم يَكُونُوا يَعْتَادُونَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ كُلَّمَا دَخَلُوا المَسْجِدَ النَّبَوِيَّ، وَإِنَّمَا فَقَطْ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ؛ فَيَكُونُ اتِّخَاذُهُ عِيدًا هُوَ مِنْ بَابِ ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥]، فَلَمْ يَكُنِ السَّلَفُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَيُصَلُّونَ، فَإِذَا قَضَوا الصَّلَاةَ قَعَدُوا أَو خَرَجُوا، وَلَمْ يَكُونُوا يَأْتُونَ القَبْرَ لِلسَّلَامِ لِعِلْمِهِم أَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيهِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَأكْمَلُ.

قَالَ القَاضِي عِيَاضُ فِي كِتَابِهِ (الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى): "وَقَالَ مَالِكٌ فِي المَبْسُوطِ: وَلَيسَ يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ وَخَرَجَ مِنْهُ -مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ- الوُقُوفَ بِالقَبْرِ! وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ. وَقَالَ فِيهِ أَيضًا: لَا بَأْسَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ فَيُصَلِّيَ عَلَيهِ وَيَدْعُوَ لَهُ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قِيلَ لَهُ: فَإِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَا يَقْدِمُونَ مِنْ سَفَرٍ وَلَا يُرِيدُونَهُ؛ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي اليَومِ مَرَّةً أَو أَكْثَرَ! وَرُبَّمَا وَقَفُوا فِي الجُمُعَةِ أَو فِي الأَيَّامِ المَرَّةَ وَالمَرَّتَينِ أَو أَكْثَرَ عِنْدَ القَبْرِ فَيُسَلِّمُونَ وَيَدْعُونَ سَاعَةً! فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الفِقْهِ بِبَلَدِنَا، وَتَرْكُهُ وَاسِعٌ، وَلَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ إِلَّا


(١) وَمِثْلُهُ حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَرْفُوعًا: ((هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِم)) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٣٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>