للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قَولُهُ: ((عَبْدُ اللهِ)) رَدٌ عَلَى النَّصَارَى؛ حَيثُ عَبَدُوا عِيسَى ، وَقَولُهُ: ((وَرَسُولُهُ)) رَدٌ عَلَى اليَهُودِ؛ حَيثُ كَذَّبُوا بِنُبُوَّةِ عِيسَى .

- قَولُهُ: ((وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا)) أَي: خُلِقَ بِكَلِمَةِ ﴿كُنْ﴾، وَالإِضَافَةُ هُنَا لِلتَّشْرِيفِ.

- قَولُهُ: ((وَرُوحٌ مِنْهُ)) أَي أنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِيسَى كَغَيرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ جَسَدٍ وَرُوحٍ؛ وَلَكِنَّهُ أَضَافَ رُوحَهُ إِلَيهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى فِي آدَمَ: ﴿فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحِجْر: ٢٩]، فَـ ﴿مِنْ﴾ هُنَا هِيَ لِلابْتِدَاءِ وَلَيسَتْ لِلتَّبْعِيضِ!

وَمَفَادُ الإِضَافَةِ هُنَا التَّشْرِيفُ وَالتَّكْرِيمُ، وَرَدٌّ عَلَى اليَهُودِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ زِنَى! فَالتَّشْرِيفُ فِي هَذَا المَقَامِ هُوَ تَطْهِيرٌ لَهُ مِنْ زَعْمِهِم ذَلِكَ (١)، فَلَيسَ فِيهَا مُتَمَسَّكٌ لِلنَّصَارَى -الضَّالِّينَ- فِي زَعْمِهِم أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى! وَالعِيَاذُ بِاللهِ، بَلْ نَزِيدُهُم


=
كُلُّهَا حَقٌّ لَا تَنَافِيَ بَينَهَا؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ كَلَامَ الشَّاهِدِ وَخَبَرَهُ، وَتَتَضَمَّنُ إِعْلَامَهُ وَإِخْبَارَهُ وَبَيَانَهُ.
فَلَهَا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:
فَأَوَّلُ مَرَاتِبِهَا: عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ وَاعْتِقَادٌ لِصِحَّةِ المَشْهُودِ بِهِ وَثُبُوتِهِ.
وَثَانِيهَا: تَكَلُّمُهُ بِذَلِكَ -وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ بِهِ غَيرَهُ- بَلْ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَعَ نَفْسِهِ، وَيَتَذَكَّرُهَا، وَيَنْطِقُ بِهَا أَو يَكْتُبُهَا.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يُعْلِمَ غَيرَهُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ، وَيُخْبِرَهُ بِهِ، وَيُبَيِّنَهُ لَهُ.
وَرَابِعُهَا: أَنْ يُلْزِمَهُ بِمَضْمُونِهَا وَيَأْمُرَهُ بِهَا".
(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (٢/ ٤٧٩): "فَقَولُهُ فِي الآيَةِ وَالحَدِيثِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ كَقَولِهِ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجَاثِيَة: ١٣]، أَي: مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ، وَلَيسَتْ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ! كَمَا تَقُولُهُ النَّصَارَى -عَلَيهِمْ لَعَائِنُ اللهِ المُتَتَابِعَةُ-، بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الغَايَةِ، كَمَا فِي الآيَةِ الأُخْرَى، وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَولِهِ: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أَي: وَرَسُولٌ مِنْهُ. وَقَالَ غَيرُهُ: وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ. وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ أنَّه مَخْلُوقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوقَةٍ؛ وَأُضِيفَتِ الرُّوحُ إِلَى اللهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيفِ كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالبَيتُ إِلَى اللهِ فِي قَولِهِ: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ﴾ [هُود: ٦٤]، وَفِي قَولِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحَجِّ: ٢٦] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>