(٢) قَالَ الشَّيخُ صَالِحُ الفَوزَان حَفِظَهُ اللهُ: "المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المُوَافَقَةَ لَهُم فِي الظَّاهِرِ تُسَمَّى إِيمَانًا وَلَو لَمْ يُوَافِقْهُم فِي البَاطِنِ؛ لِأَنَّ اليَهُودَ لَمَّا قَالُوا لِكُفَّارِ قُرَيشٍ: أَنْتُم أَهْدَى مِن الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا! هُم فِي البَاطِنِ يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانَ هَذَا الكَلَامِ؛ لَكِنَّهُم وَافَقُوهُم فِي الظَّاهِرِ لِيَحْصُلوا عَلَى مُنَاصَرَتِهِم لَهُم؛ وَمَع هَذَا سَمَّى اللهُ هَذَا إِيمَانًا بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ.فَالَّذِي يَمْدَحُ الكُفْرَ وَالكُفَّارَ وَلَو بِلِسَانِهِ، وَيُفَضِّلُ الكُفْرَ وَالكُفَّارَ عَلَى المُؤمِنِينَ؛ يُعْتَبَرُ مُؤمِنًا بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ -وَلَو كَانَ قَلْبُهُ لَا يُوَافِقُ عَلَى هَذَا- مَا لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مُرْجِئَةِ هَذَا العَصْرِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مَن تَكَلَّمَ بِكَلَامِ الكُفْرِ لَا يَكْفُرُ حَتَّى يَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ صِحَّةَ مَا يَقُولُ! وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ عَظِيمَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيخُ فِي المَسَائِلِ، وَهِيَ عَظِيمَةٌ جِدًّا". إِعَانَةُ المُسْتَفِيدِ (١/ ٣٢٩).قُلْتُ: وَالأَقْرَبُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيهِ شَيخُنَا ابْنُ عُثَيمِين ﵀، لِأَنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ إِنَّمَا ذَكَرَتْ وَصْفَينِ لِلْيَهُودِ فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ، فَقَدْ جَمَعَتْ بَينَ الإِيمَانِ -وَهَذَا أَمْرٌ قَلْبِيٌّ هُنَا بِدِلَالَةِ الوَصْفِ الثَّانِي- وَبَينَ القَولِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ وَهَذَا إِقْرَارٌ بِصِحَّةِ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ هَذَا إِقْرَارٌ مِنْهُم بِاللِّسَانِ زِيَادَةً عَلَى القَلْبِ، لِذَلِكَ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الآيَةِ بِمُطْلَقِ حُكْمِهَا عَلَى مَن لَمْ يَكُنْ عَلَى نَفْسِ وَصْفِهَا! لَا سِيَّمَا وَأَنَّ هُنَاكَ فَرْقًا وَاضِحًا بَينَ مَدْحِ حَالِ الكُفَّارِ مِن جِهَةِ الدُّنيَا وَبَينَ مَدْحِهِم مِن جِهَةِ الدِّينِ.وَعَلَى كُلِّ حَالٍ؛ فَإِنَّ مَدْحَ وَاسْتِحْسَانَ مَا عَلَيهِ الكُفَّارُ عُمُومًا -وَلَو لِدُنْيَاهُم فَقَط- يَجْعَلُ صَاحِبَهُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ. نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute