للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ : "مَنْ جَاءَ مَعَ التَّوحِيدِ بِقُرَابِ الأَرْضِ -وَهُوَ مِلْؤُهَا أَو مَا يُقَارِبُ مِلْأَهَا- خَطَايَا، لَقِيَهُ اللهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً، لَكِنْ هَذَا مَعَ مَشِيئَةِ اللهِ ﷿، فَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِذُنُوبِهِ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَتُهُ أَنْ لَا يُخَلَّدَ فِي النَّارِ، بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ الجَنَّةَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: المُوَحِّدُ لَا يُلْقَى فِي النَّارِ كَمَا يُلْقَى الكُفَّارُ، وَلَا يَلْقَى فِيهَا مَا يَلْقَى الكُفَّارُ، وَلَا يَبْقَى فِيهَا كَمَا يَبْقَى الكُفَّارُ، فَإِنْ كَمُلَ تَوحِيدُ العَبْدِ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ فِيهِ، وَقَامَ بِشُرُوطِهِ كُلِّهَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، أَو بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ عِنْدَ المَوتِ؛ أَوجَبَ ذَلِكَ مَغْفِرَةَ مَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوبِ كُلِّهَا، وَمَنَعَهُ مِنْ دُخُولِ النَّارِ بِالكُلِّيَّةِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ بِكَلِمَةِ التَّوحِيدِ قَلْبُهُ؛ أَخْرَجَتْ مِنْهُ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا وَمَهَابَةً وَخَشْيَةً وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا، وَحِينَئِذٍ تُحْرَقُ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ كُلُّهَا -وَلَو كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ-، وَرُبَّمَا قَلَبَتْهَا حَسَنَاتٍ -كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي تَبْدِيلِ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ-، فَإِنَّ هَذَا التَّوحِيدَ هُوَ الإِكْسِيرُ الأَعْظَمُ، فَلَو وُضِعَتْ مِنْهُ ذَرَّةٌ عَلَى جِبَالِ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا لَقَلَبَهَا حَسَنَاتٍ" (١).

- شَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ تَسْتَلْزِمُ أُمُورًا؛ مِنْهَا:

١ - تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ -إِذَا ثَبَتَتْ نِسْبَتُهُ إِلَيهِ-.

٢ - امْتِثَالُ أَمْرِهِ دُونَ تَرَدُّدٍ.

وَمِنَ التَّرَدُّدِ المَذْمُومِ: التَّوَقُّفُ عَنِ الامْتِثَالِ وَالتَّطْبِيقِ إِلَى أَنْ يَعْلَمَ هَلِ الأَمْرُ لِلوُجُوبِ أَمْ لِلاسْتِحْبَابِ! وَأَيضًا: التَّوَقُّفُ عَنِ الامْتِثَالِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا مَوقِفُ المَذْهَبِ الفُلَانِيِّ مِنْهُ!


(١) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ٤١٧) عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيثِ الثَّانِي وَالأَرْبَعِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>