للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- وَأَمَّا قَولُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ -عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا تَوبَةَ لَهُ مُطْلَقًا-.

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: "هَذَا هُوَ المَشْهُورُ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهُ تَوبَةً، وَجَوَازُ المَغْفِرَةِ لَهُ، لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ القَتْل؛ وَالتَّورِيَةِ فِي المَنْعِ مِنْهُ (١)، وَلَيسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا اِبْنُ عَبَّاسٍ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُخَلَّدُ! وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ جَزَاؤُهُ، وَلَا يَلْزَم مِنْهُ أَنَّهُ يُجَازَى" (٢).

قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ فِي الصَّحِيحَةِ -فِي مَعْرِضِ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ فِي ذَلِكَ-:

"الأُولَى: مَا رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْهُ: أَنَّهُ أَتَاهُ رَجَلٌ؛ فَقَالَ: إنِّي خَطَبْتُ امْرَأَةً فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَنِي؛ وخَطَبَهَا غَيرِي فَأَحَبَّتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَغِرْتُ عَلَيهَا فَقَتَلْتُهَا! فَهَلْ لِي مِنْ تَوبَةٍ؟ قَالَ: (أُمُّكَ حَيَّةٌ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (تُبْ إِلَى اللهِ ﷿، وَتَقَرَّبْ إِلَيهِ مَا اسْتَطَعْتَ). فَذَهَبْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: لِمَ سَأَلْتَهُ عَنْ حَيَاةِ أُمِّهِ؟ فَقَالَ: (إنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللهِ ﷿ مِنْ بِرِّ الوَالِدَةِ). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِسَنَدٍ


(١) "وَقَدْ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ إِذَا سُئِلَ: هَلْ لِلْقَاتِلِ تَوبَةٌ؟ يَتَعَرَّفُ مِنَ السَّائِلِ: هَلْ قَتَلَ أَمْ لَا؟ وَيُطَاوِلُهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ؛ قَالَ لَهُ: لَا تَوبَةَ لَهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ مِن أَنَّهُ قَدْ قَتَلَ: قَالَ: لَهُ تَوْبَةٌ. وَإِنَّ هَذَا لَحَسَنٌ مِن الفَتْوَى". البَيَانُ وَالتَّحْصِيلُ لِابْنِ رُشْدٍ (١٥/ ٤٨١).
(٢) شَرْحُ مُسْلِمٍ (١٨/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>