للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ آمَنَ بِالثَّانِي وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالأَوَّلِ فَقَدْ تَنَاقَضَ وَخَالَفَ المَحْسُوسَ وَالمُتَوَاتِرَ.

٣ - عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ يُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيءَ وَمَا فَعَلَهُ! حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَومٍ أَو ذَاتَ لَيلَةٍ -وَهْوَ عِنْدِي- لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ؛ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِي أَيِّ شَيءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعِ (١) نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَينَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ)). فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: ((يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، أَو كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفَلَا اسْتَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: ((قَدْ عَافَانِي اللهُ؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا)) فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ (٢).

وَالشَّاهِدُ فِيهِ مِنْ جِهَتَينِ: (التَّخْيِيلُ، قَدْ عَافَانِي).

وَأَمَّا فِي خُصُوصِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طَه: ٦٦] أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّخييلِ دُونَ الحَقِيقَةِ! فَالرَّدُّ عَلَيهِم مِنْ جِهَتَينِ:

أ- أَنَّ هَذَا التَّخْيِيلَ -وَإِنْ كَانَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي تَغْيِيرِ أَعْيَانِ الأَشْيَاءِ- وَلَكِنَّهُ كَانَ مُؤَثِّرًا حَقِيقَةً عَلَى العَينَ حَتَّى جَعَلَهَا تَتَخَيَّلُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حَقيقَتِهِ وَأَثَرِهِ.

ب- لَا يَصِحُّ حَمْلُ ذَلِكَ السِّحْرِ عَلَى التَّخْيِيلِ بِكَونِ الحِبَالِ وَالعِصِيِّ كَانَتْ


(١) (جُفِّ طَلْعٍ): الجُفُّ: وِعَاءُ الطَّلعِ وَغِشَاؤُهُ الَّذِي يُكِنُّهُ.
(٢) البُخَارِيُّ (٥٧٦٣)، وَمُسْلِمٌ (٢١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>