للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الإِلْهَامُ فَالأَصْلُ أَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَجْزِمَ المَرْءُ بِأَنَّهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَتُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِهِ، كَمَا جَرَى معَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ (١).

فَالفَرْقُ بَينَهُمَا -كَمَا أَثْبَتْنَا آخِرًا- أَنَّ الوَحْيَ يَكُونُ حَقًّا ومِنَ اللهِ تَعَالَى (٢).

وَهَذَا الوَحْيُ اليَومَ إِنْ كَانَ فِي الشَّرِيعَةِ فَهُوَ مُحَالٌ، وَذَلِكَ لِكَمَالِ الشَّريعَةِ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ ، لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المَائِدَة: ٣]، وَإِنْ كَانَ فِي غَيرِهَا؛ فَمَرْدُودٌ أَيضًا، وَذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الوَحْي بِعْدَهُ أَيضًا .

وَفِي الأَثَرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (مَا نَزَلَ وَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (٣).

وَأَمَّا الإِلْهَامُ فَلَا يَسْتَطِيعُ صَاحِبُهُ أَنْ يَجْزِمَ بِصَوَابِهِ أَصْلًا؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ضَلَالًا فِي نَفْسِهِ؛ أَو مُفْضِيًا إِلَى ضَلَالٍ.

قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ : "وَلَيسَ كُلُّ مَن رَأَى رُؤْيَا كَانَتْ وَحْيًا! فَكَذَلِكَ لَيسَ كُلُّ مَن أُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ شَيءٌ يَكُونُ وَحْيًا، وَالإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ نَفْسُهُ فِي يَقَظَتِهِ أَكْمَلَ مِنْهَا فِي نَومِهِ، كَالْمُصَلِّي الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُوحَى إِلَيهِ فِي حَالِ النَّومِ


(١) كَمَا سَبَقَ فِي الحَدِيثِ: ((لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُم مِنَ الأُمَمِ نَاسٌ مُحَدَّثُونَ مِنْ غَيرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ؛ فإِنَّهُ عُمَرُ)). قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ (مُحَدَّثُونَ): مُلْهَمُون. رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٦٨٩) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا، وَمُسْلِمٌ (٢٣٩٨) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا.
وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ هَذَا هُوَ فَقِيهٌ مِنَ الأَئِمَّةِ؛ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، (ت ١٩٧ هـ).
(٢) لِذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى لِهَذَا الوَحْي حَرَسًا لِئَلَّا يُسْتَرَقَ وَلِئَلَّا يُخْلَطَ بِهِ غَيرُهُ، بِخِلَافِ الإِلْهَامِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجِنّ: ٢٦ - ٢٧].
(٣) صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (٢١٤٢). صَحَّحَهُ الشَّيخُ شُعَيبٌ الأَرْنَؤُوطُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>