للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أَتَى﴾ [طَه: ٦٩] (١).

ج- أَنَّ الضَّرُورَةَ تُقَدَّرُ بِقَدَرِهَا.

وَهَذَا أَيضًا غَيرُ مُتَحَقِّقٍ هُنَا، فَالضَّرُورَاتُ الخَمْسُ أَوَّلُهَا حِفْظُ الدِّينِ، فَلَا يُبْذَلُ مَا هُوَ أَعْلَى لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَدْنَى وَهُوَ حِفْظُ النَّفْسِ (٢)!

فَالأَنْفُسُ لَا يَجُوزُ حِفْظُهَا بِالشِّرْكِ، فَالسِّحْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالشِّرْكِ، وَالَّذِي يَأْتِي السَّاحِرَ وَيَطْلُبُ مِنْهُ حَلَّ السِّحْرِ؛ هَذَا فِيهِ الرِّضَى بِقَولِهِ وَعَمَلِهِ، وَبِأَنْ يُشْرِكَ ذَاكَ بِاللهِ تَعَالَى لِأَجْلِ مَنْفَعَتِهِ! وَهَذَا غَيرُ جَائِزٍ (٣).

وَفِي الحَدِيثِ: ((لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيئًا؛ وَإِنْ قُطِّعْتَ أَو حُرِّقْتَ)) (٤).

قُلْتُ: وَلَا يَرِدُ عَلَينَا فِي هَذِهِ النُّقْطَةِ الأَخِيرَةِ الاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ Object فِي إِكْرَاهِهِ عَلَى الكُفْرِ! وَذَلِكَ لِأَنَّ حَديثَ عَمَّارٍ فِيهِ الكُفْرُ ظَاهِرًا فَقَطْ لِقَولِهِ Object: ((كَيفَ تَجِدُ قَلبَكَ؟ فَقَالَ عَمَّاُر: مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ)) (٥)، أَمَّا هُنَا فَفِيهِ الكُفْرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.


(١) هَذَا وَإِنْ كَانَ التَّدَاوِي عُمُومًا مَحْمُولٌ عَلَى الظَّنِّ الغَالِبِ وَلَيسَ عَلَى اليَقِينِ؛ وَلَكِنَّ التَّدَاوِي بِالسِّحْرِ جَاءَ النَّصُّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ، كَمَا مَرَّ سَابِقًا فِي الآيَاتِ الكَرِيمَاتِ، وَكَمَا فِي الحَدِيثِ: ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيئًا وُكِلَ إِلَيهِ)) صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (١٨٧٨١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيمٍ مَرْفُوعًا.
وَتَأَمَّلْ كَونَ عُمَرَ سَمَّى الجِبْتَ سِحْرًا -كَمَا سبقَ-؛ فَهُوَ لَا خيرَ فِيهِ مُطْلَقًا.
(٢) هَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّ المَسْحُورَ شَارَفَ عَلَى المَوتِ، وَإِلَّا فَالسِّحْرُ غَالِبُهُ يَجْرِي مَجْرَى المَرَضِ الَّذِي يَعْتَري الإِنْسَانَ عَادَةً؛ فَيُحْتَمَلُ وُيُصْبَرُ عَلَيهِ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ تَعَالَى بِالشِّفَاءِ.
(٣) أَفَادَهُ الشَّيخُ صَالِحُ آلِ الشَّيخِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ التَّمْهِيدُ (ص ٣٣١) بِتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ.
(٤) حَسَنٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (١٨) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (١٤).
(٥) رَوَاهُ الحَاكِمُ (٣٣٦٢)، وَصَحَّحَهُ الذَّهَبِيُّ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>