للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د- أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ مَا يُعَارِضُهُ وَهُوَ: ((لَا شُؤْمَ، وَقَدْ يَكُونُ اليُمْنُ فِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ)) (١).

٢ - مِنْ جِهَةِ فِقْهِ الحَدِيثِ -عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ-: أَنَّ الشَّؤْمَ هُنَا لَيسَ بمَعْنَى الطِّيَرَةِ الشِّركيَّةِ، وَلَكِنَّهُ بِمَعْنَى السَّبَبِ القَدَريِّ فِي حُصُولِ الخَيرِ أَوِ الشَّرِّ.

وَهَذَا صَحِيحٌ لَا رَيبَ فِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ المَرْءِ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ؛ فَإِنَّ صَاحِبَهَا قَدْ يَسْعَدُ وَقَدْ يَسُوءُ.

وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ بِالحَدِيثِ الآتِي: ((ثَلَاثَةٌ مِنَ السَّعَادَةِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ.

فَمِنَ السَّعَادَةِ: المَرْأةُ الصَّالِحَةُ تَرَاهَا فَتُعْجِبُكَ، وَتَغِيبُ عَنْهَا فَتَأْمَنُها عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ وَطِيئَةً؛ فَتُلْحِقُكَ بِأَصْحَابِكَ، وَالدَّارُ تَكُونُ وَاسِعَةً كَثِيرْةَ المَرَافِقِ.

وَمِنَ الشَّقَاءِ: المَرْأَةُ تَرَاهَا فَتَسُوءُكَ، وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ


=
((الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ)). فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَمْ يَحْفَظْ أَبُو هُرَيرَةَ، لِأَنَّهُ دَخَلَ وَرَسُولُ اللهِ يَقُولُ: ((قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ؛ يَقُولُونَ: الشَّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: الدَّارُ وَالمَرْأَةُ وَالفَرَسُ)) فَسَمِعَ آخِرَ الحَدِيثِ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهُ".
قَالَ الزَّركَشِيُّ فِي كِتَابِهِ (الإِجَابَةُ لِإِيرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ) (ص ١١٥): "قَالَ بَعْضُ الأَئِمَّة: وَرِوَايَة عَائِشَةَ فِي هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- لِمُوَافِقَتِهِ نَهْيَهُ عَنِ الطِّيَرَةِ نَهْيًا عَامًّا، وَكَرَاهَتِهِ لَهَا وَتَرْغِيبِهِ فِي تَرْكِهَا بِقَولِه: ((يَدْخُلُ الجَنَّةَ سَبْعُونَ ألَفًا بِغَيرِ حِسَابٍ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ)) ".
قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ فِي الصَّحِيحَةِ (٩٩٣): "وَجُمْلَةُ القَولِ أَنَّ الحَدِيثَ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي لَفْظِهِ، فَمِنْهُم مَنْ رَوَاهُ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَمِنْهُم مَنْ زَادَ عَلَيهِ فِي أَوَّلِهِ؛ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا طِيَرَةَ أَو شُؤْمَ وَهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ -كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ- وعَلَيهِ الأَكْثَرُونَ، فَرِوَايَتُهُم هِيَ الرَّاجِحَةُ؛ لِأَنَّ مَعَهُم زِيَادَةُ عِلْمٍ، فَيَجِبُ قَبُولُهَا".
(١) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٤/ ٤٢٤) عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (١٩٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>