للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَقَلَ الشَّاطِبِيُّ فِي كِتَابِهِ (الاعْتِصَامُ) (١) مِنْ كِتَابِ (التَّهْذِيب) لِلطَّبَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى كَثِيرًا مِنَ الآثَارِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِم- كَانُوا يَكْرَهُونَ تَقَصُّدَ النَّاسِ لَهُم لِلدُّعَاءِ، وَيَقُولُونَ لَهُم: (لَسْنَا بِأَنْبِيَاءٍ! أَنَحْنُ أَنْبِيَاءُ؟!).

- فَائِدَة ٤: فِي مَسْأَلَةِ التَّدَاوِي قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ فِي مَجْمُوعِ الفَتَاوَى (٢): "فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي التَّدَاوِي هَلْ هُوَ مُبَاحٌ، أَو مُسْتَحَبٌّ، أَو وَاجِبٌ؟

وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ، وَهُوَ: مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ بَقَاءُ النَّفْسِ لَا بِغَيرِهِ؛ كَمَا يَجِبُ أَكْلُ المَيتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْد الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ العُلَمَاءِ، وَقَدْ قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ المَيتَةِ؛ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ! دَخَلَ النَّارَ. فقَدْ يَحْصُلُ أَحْيَانًا لِلْإِنْسَانِ إذَا اسْتَحَرَّ المَرَضُ مَا إنْ لَمْ يَتَعَالَجْ مَعَهُ مَاتَ،


(١) الاعْتِصَامُ (١/ ٥٠١)، وَقَالَ أَيضًا : "وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ؛ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي؛ فَقَالَ: (غَفَرَ لَكَ)، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي؛ فَقَالَ: (لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ وَلَا لِذَاكَ؛ أَنَبِيٌّ أَنَا؟!)، فَهَذَا أَوضَحَ فِي أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا؛ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ مِثْلُ النَّبِيِّ! أَو أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى أَنْ يُعْتَقَدَ ذَلِكَ، أَو يُعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَلْزَمُ! أَو يَجْرِي فِي النَّاسِ مَجْرَى السُّنَنِ المُلْتَزَمَةِ! وَذَلِكَ يُخْرِجُ المَشْرُوعَ عَنْ كَونِهِ مَشْرُوعًا، وَيُؤَدِّي إِلَى التَّشيُّعِ وَاعْتِقَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيهِ، وَقَدْ تَبيَّنَ هَذَا المَعْنَى بِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَونٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا عِمْرَانَ! اُدْعُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَنِي، فَكَرِهَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ وَقَطَبَ، وَقَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيفَةَ فَقَالَ: اُدْعُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَقَالَ: (لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ). فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: (فَأَدْخَلَكَ اللهُ مُدْخَلَ حُذَيفَةَ، أَقَدْ رَضِيتَ؟) .... وَهَذِهِ الآثَارُ مِنْ تَخْرِيجِ الطَّبَرِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ".
(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (١٨/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>