للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سَبَأ: ٢٨] (١)؛ فَمَنْ عَمِلَ بِمُوجَبِ بِعْثَةِ الرَّسُولِ كَيفَ يُقَالُ بِتَخْطِئَةِ مَنْهَجِهِ؟! (٢)

فَاللهُ تَعَالَى جَعَلَ الرِّضَا فِي الآخِرَةِ لِمَنْ خَافَ مِنَ النَّارِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِلكفَّارِ، وَأَرْسَلَ الرَّسُولَ نَذِيرًا مِنْهَا؛ فَمَنْ خَافَ مِنْهَا فَصَدَّقَ بِهِ؛ كَيفَ يَكُونُ غَيرَ مَرْضِي الإِيمَانِ أَو نَاقِصَهُ! قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرَّحْمَن: ٤٦].

ثُمَّ إِنَّهُ جَعَلَ عَمَلَ أَهْلِ الإِيمَانِ تِجَارَةً رَابِحَةً مَعَ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الصَّف: ١٠ - ١١].

٣ - أَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَنَقُّصُ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ تِلْكَ المَرْتَبَةَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْرِفَةَ كَونِ اللهِ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ العِبَادَةَ هِيَ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَلَكِنَّهَا تَحْتَاجُ لِاعْتِبَارٍ وَتَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ فِي الآيَاتِ الكَونيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَإِلى أَنْ يَبْلُغَ العَبْدُ -نَاطِقُ الشَّهَادَةِ- هَذِهِ المَرْتَبَةَ لَا يَكُونُ مَذْمُومًا، بَلْ هُوَ مَمْدُوحٌ حَيثَ تَرَكَ عِبَادَةَ الطَّاغُوتِ وَوَحَّدَ اللهَ تَعَالَى كَمَا أَمَرَهُ، وَيَكُونُ


(١) قَالَ القُرْطُبِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (١٤/ ٣٠١): " ﴿بَشِيرًا﴾ أَي: بِالجنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَ. ﴿وَنَذِيرًا﴾ مِنَ النَّارِ لِمَنْ كَفَرَ".
(٢) وَفِي الحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ ؛ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ سَرِيَّةً؛ فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ أَنْ تُطِيعُونِي؟! قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا؛ فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوقِدُوا نَارًا؛ فَأَوقَدُوهَا، فَقَالَ: اُدْخُلُوهَا، فَهَمُّوا -وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا- وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ مِنَ النَّارِ! فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ؛ فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ، فَقَالَ: ((لَو دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ! الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٧١٤٥)، وَمُسْلِمٌ (١٨٤٠) مِنْ حَدِيثِ عَليٍّ مَرْفُوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>