للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- مَنْ عَمِلَ عَمَلًا مُخْلِصًا فِيهِ للهِ رَاجِيًا بِذَلِكَ الثَّوَابَ العَاجِلَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُؤْجَرُ عَلَيهِ فِي الدُّنْيَا وَلَو كَانَ كَافِرًا (١).

وَفِي الحَدِيثِ: ((إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً؛ يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الكَافِرُ؛ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا)) (٢).

فَالمُشْرِكُ -مَثَلًا- لَمَّا رَكِبَ البَحْرَ وَخَشِيَ الغَرَقَ وَدَعَا اللهَ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ اسْتَجَابَ لَهُ سُبْحَانَهُ فَنَجَّاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العَنْكَبُوتُ: ٦٥].


=
مِنْ آثَارِ إِرَادَتِهِ الدَّارَ الآخِرَةَ.
وَلَكِنَّ هَذَا الشَّقِيَّ الَّذِي كَأَنَّهُ خُلِقَ لِلدُّنْيَا وَحْدِهَا: ﴿نُوَفِّ إِلَيهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ أَي: نُعْطِيهِم مَا قُسِمَ لَهُم فِي أُمِّ الكِتَابِ مِنْ ثَوَابِ الدُّنْيَا ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ أَي: لَا يُنْقَصُونَ شَيئًا مِمَّا قُدِّرَ لَهُم؛ وَلَكِنْ هَذَا مُنْتَهَى نَعِيمِهِم".
(١) قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ [الأَحْقَاف: ٢٠].
وَكَمَا فِي البُخَارِيِّ (٢٤٦٨)، وَمُسْلِمٌ (١٤٧٩) مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ : اُدْعُ اللهَ أَنْ يُوسِّعَ عَلَى أُمَّتِكِ؛ فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومَ؛ وَهُمْ لَا يعْبُدُونَ اللهَ! فَاسْتَوَى جَالِسًا، ثُمَّ قَالَ: ((أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ؟! أُولَئِكَ قَومٌ عُجِّلَتْ لَهُم طَيِّبَاتُهم فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا)).
(٢) مُسْلِمٌ (٢٨٠٨) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (١٥/ ٢٦٤) عَنْ قَتَادَةَ قَولَهُ: " ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ أَي: لَا يُظْلَمُونَ. يَقُولُ: مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَسَدَمَهُ [أَي: وَلَعَهُ] وَطِلْبَتَهُ وَنِيَّتَهُ جَازَاهُ اللهُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يُفْضِي إِلَى الآخِرَةِ وَلَيسَ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا جَزَاءً. وَأَمَّا المُؤْمِنُ؛ فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيهَا فِي الآخِرَةِ ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ أَي: فِي الآخِرَةِ لَا يُظْلَمُونَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>