للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الإِمَامُ ابْنُ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ : "وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذَا حَرَامٌ عَلَيَّ إنْ فَعَلْتُ؛ وَفَعَلَ، أَوْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْتُ؛ ثُمَّ فَعَلَ؛ فَهُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ.

وَإِنْ قَالَ: هَذَا الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ؛ فَهُوَ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ.

وَيُرْوَى نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيدٍ، وَقَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ -فِيمَنْ قَالَ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ-: يَمِينٌ مِنَ الْأَيمَانِ؛ يُكَفِّرُهَا.

وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ يَمِينٌ؛ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ، وَعَنْهُ: إنْ نَوَى طَلَاقًا؛ وَإِلَّا فَلَيسَ بِشَيءٍ.

وَعَنِ الضَّحَّاكِ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالُوا: (الْحَرَامُ يَمِينُ طَلَاقٍ).

وَقَالَ طَاوُسٌ: هُوَ مَا نَوَى.

وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَيسَ بِيَمِينٍ، وَلَا شَيءَ عَلَيهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ فَلَغَا مَا قَصَدَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ رَبِيبَتِي.

وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيمَانِكُمْ﴾ سَمَّى تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ يَمِينًا، وَفَرَضَ لَهُ تَحِلَّةً؛ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ" (١).

وَقَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ : "أَفْتَى جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ -كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيرِهِمْ- أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ: إمَّا كَفَّارَةً كُبْرَى -كَالظِّهَارِ-، وَإِمَّا كَفَّارَةً صُغْرَى -كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ-، وَمَا زَالَ السَّلَفُ


(١) المُغْنِي (٩/ ٥٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>