للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : "فَجَمِيعُ المَعَاصِي تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ هَوَى النُّفُوسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ المُشْرِكِينَ بِاتِّبَاعِ الهَوَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القَصَص: ٦٤].

وَكَذَلِكَ البِدَعُ؛ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ الهَوَى عَلَى الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الأَهْوَاءِ، وَكَذَلِكَ المَعَاصِي؛ إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ تَقْدِيمِ الهَوَى عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ" (١).

قُلْتُ: وَفِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القَصَص: ٥٠] بَيَانُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَكِّمِ الشَّرِيعَةَ فَهُوَ صَاحِبُ هَوًى.

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ : "وَجَعَلَ الاتِّبَاعَ قِسْمَينِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إِمَّا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَإِمَّا الهَوَى" (٢).

- قَولُهُ: ((هَوَاهُ)) الهَوَى لَهُ مَعْنَيَانِ:

١ - المَيلُ إِلَى خِلَافِ الحَقِّ، وَهُوَ المَعْنَى إِذَا أُطْلِقَ اللَّفْظُ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦].

وَكَقَولِهِ تَعَالَى أَيضًا ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النَّازِعَات: ٤٠ - ٤١].


(١) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ٣٩٧) عِنْدَ شَرْحِ حَدِيثِ رَقَم (٤١) مِنَ الأَرْبَعِين النَّوَوِيَّةِ.
(٢) رَوضَةُ المُحِبِّينَ (١/ ٤٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>