للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرَ يُفَسِّرُهُ، وَالمُتَشَابِهُ هُوَ: الَّذِي لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ يُفَسِّرُهُ، كَالنَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ (١)، وَالمُطْلَقِ وَالمُقَيَّدِ، وَالعَامِّ وَالخَاصِّ، وَالمُجْمَلِ وَالمُبَيَّنِ (٢).

وَعَلَامَةُ أَهْلِ البِدَعِ اتِّبَاعُ المُتَشَابِهِ وَتَرْكُ المُحْكَمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَينِ عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللهِ : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ((إِذَا رَأَيتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ؛ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ)) (٣).

- قَالَ العَلَّامَةُ الشَّاطِبِيُّ : "وَمَنْ نَظَرَ إِلَى طُرُقِ أَهْلِ البِدَعِ فِي الِاسْتِدْلَالِ؛ عَرَفَ أَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ، لِأَنَّهَا سَيَّالَةٌ لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ، وَعَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ لِكُلِّ زَائِغٍ وَكَافِرٍ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى زَيغِهِ وَكُفْرِهِ حَتَّى يَنْسِبَ النِّحْلَةَ الَّتِي التَزَمَهَا إِلَى الشَّرِيعَةِ!

فَقَدْ رَأَينَا وَسَمِعْنَا عَنْ بَعْضِ الكُفَّارِ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى كُفْرِهِ بِآيَاتِ القُرْآنِ!

كَمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ النَّصَارَى عَلَى تَشْرِيكِ عِيسَى بِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَلِمَتُهُ


(١) وَالإحْكَامُ بِمَعْنَى النَّسْخِ؛ هُوَ كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحَجّ: ٥٢].
(٢) كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ﴾ [مُحَمَّد: ٢٠].
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (٢٢/ ١٧٤): " ﴿فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ﴾ يَعْنِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ بِالبَيَانِ وَالفَرَائِضِ".
(٣) البُخَارِيُّ (٤٥٤٧)، وَمُسْلِمٌ (٢٦٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>