للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غَافِر: ٦٠] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الدُّعَاءَ عِبَادَةً، وَهَذَا النَّوعُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِغَيرِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ المَقْصُودُ بِالحَدِيثِ هُنَا.

وَهُنَا مَلْحَظٌ لَطِيفٌ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ "كَنَّى بِالدُّعَاءِ عَنِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَبَدَ شَيْئًا دَعَاهُ عِنْدَ حَوَائِجِهِ وَمَصَالِحِهِ" (١)، "وَمَا أَنْسَبَ التَّعْبِيرَ لِعُبَّادِ الأَوثَانِ عَنِ العِبَادَةِ بِالدُّعَاءِ: إِشَارَةً إِلَى أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ لَا يُدْعَى فِي الضَرُورَاتِ فَيَسْمَعُ؛ فَعَابِدُهُ أَجْهَلُ الجَهَلَةِ" (٢).

وَمِصْدَاقُهُ فِي إِنْكَارِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى وَالِدِهِ الشِّرْكَ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيئًا﴾ [مَرْيَم: ٤٢].

٢ - دُعَاءُ مَسْأَلَةٍ: أَي: يَدْعُو سَائِلًا بِلِسَانِهِ، وَهَذَا النَّوعُ فِيهِ تَفْصِيلٌ مِنْ حَيثُ كَونِ المُسْتَغَاثِ بِهِ حَيًّا حَاضِرًا قَادِرًا (٣)، كَمَا فِي قَولِهِ : ((مَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ)) (٤) فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَمَا فِي الحَدِيثِ ((يَا قَبِيصَةُ؛ إِنَّ المَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ)) (٥) فِي سُؤَالِ الصَّدَقَةِ؛ فَهَذَا جَائِزٌ، بِخِلَافِ مَنْ دَعَا مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا أَوْ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا دُعِيَ بِهِ -مِمَّا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ قُدْرَةِ البَشَرِ أَصْلًا-؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ شِرْكًا، قال تعالى: ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشُّعَرَاء: ٩٦ - ٩٨].


(١) البَحْرُ المُحِيطُ (٤/ ٦٨).
(٢) نَظْمُ الدُّرَرِ (٥/ ٤٠٤).
(٣) قُلْتُ: مَعَ التَّأْكِيدِ عَلَى كَونِ دُعَاءِ المَدْعُوِّ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ؛ وَأَنَّ النَّفْعَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
(٤) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (١٦٧٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَة (٢٥٤).
(٥) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٠٤٤) مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخارِقٍ مَرْفُوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>