للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفَسَّرُوا الرَّحِيمَ بِالمُنْعِمِ أَو مُرِيدِ الإِنْعَامِ!

فَنَقُولُ لَهُم: الرَّحْمَةُ ثَابِتَةٌ للهِ تَعَالَى بِالأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَأَدِلَّةُ ثُبُوتِهَا أَكْثَرُ عَدَدًا وَتَنَوُّعًا مِنْ أَدِلَّةِ الإِرَادَةِ، فَقَدْ وَرَدَتْ بِالاسْمِ مِثْلِ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفَاتِحَة: ١]، وَالصِّفَةِ مِثْلِ: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكَهْف: ٥٨]، وَالفِعْلِ مِثْلِ: ﴿وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العَنْكَبُوت: ٢١].

وَيُمْكِنُ إِثْبَاتُهَا بِالعَقْلِ أَيضًا؛ فَإِنَّ النِّعَمَ الكَثِيرَةَ عَلَى العبَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالنِّقَمَ الَّتِي تُدْفَعُ عَنْهُم فِي كُلِّ حِينٍ دَالَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ الرَّحْمَةِ للهِ ﷿، وَدِلَالَتُهَا عَلَى ذَلِكَ أَبْيَنُ وَأَجْلَى مِنْ دِلَالَةِ الإِرَادَةِ لِظُهُورِ ذَلِكَ لِلخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ، بِخِلَافِ دِلَالَةِ التَّخْصِيصِ عَلَى الإِرَادَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِأَفْرَادٍ مِنَ النَّاسِ.

وَأَمَّا نَفْيُهَا بِحُجَّةِ أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ اللِّينَ وَالرِّقَةَ؛ فَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذِهِ الحُجَّةَ لَو كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً لَأَمْكَنَ نَفْيُ الإِرَادَةِ بِمِثْلِهَا فَيُقَالُ: الإِرَادَةُ: مَيلُ المُرِيدِ إِلَى مَا يَرْجُو بِهِ حُصُولَ مَنْفَعَةٍ أَو دَفْعَ مَضَرَّةٍ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الحَاجَةَ! وَاللهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ أُجِيبَ: بِأَنَّ هَذِهِ إِرَادَةُ المَخْلُوقِ؛ أَمْكَنَ الجَوَابُ بِمِثْلِهِ فِي الرَّحْمَةِ بِأَنَّ الرَّحْمَةَ المُسْتَلْزِمَةَ لِلنَّقْصِ هِيَ رَحْمَةُ المَخْلُوقِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّعْطِيلِ سَوَاءً كَانَ تَعْطِيلًا عَامًّا أَو خَاصًّا.


=
النَّوَوِيِّ عَلَى الأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ- (ص ١١): "وَالرَّحْمَنُ: العَامُّ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ البَرِيَّةِ، وَالرَّحِيمُ: الخَاصُّ الرَّحْمَةِ لِلمُؤْمِنِينَ، وَأَصْلُ (الرَّحْمَةِ) انْعِطَافُ القَلْبِ وَالرِّقَةُ، وَهِيَ فِي حَقِّهِ إِرَادَةُ الخَيرِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، أَو تَرْكُ العُقُوبَةِ لِمَنْ يَسْتَوجِبُهَا"!

<<  <  ج: ص:  >  >>