للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا كَانَ يَكْلَؤُهُ بِعَينِهِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرَاهُ (١).

٦ - قَولُهُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: ((وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ)). صَحِيح البُخَارِيِّ (٢).

وَقَدْ أَخَذَ السَّلَفُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِظَاهِرِ الحَدِيثِ وَأَقَرُّوهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَكِنْ مَا ظَاهِرُ هَذَا الحَدِيثِ؟ هَلْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَكُونُ سَمْعَ الوَلِيِّ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ؟! أَو يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَدِّدُ الوَلِيَّ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ بِحَيثُ يَكُونُ إِدْرَاكُهُ وَعَمَلُهُ للهِ وَبِاللهِ وَفِي اللهِ؟

وَلَا رَيبَ أَنَّ القَولَ الأَوَّلَ لَيسَ هُوَ ظَاهِرُ الكَلَامِ؛ بَلْ وَلَا يَقْتَضِيهِ الكَلَامُ لِمَنْ تَدَبَّرَ الحَدِيثَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ((وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ … ) وَقَالَ: ((وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ)) فَأَثْبَتَ عَبْدًا وَمَعْبُودًا، وَمُتَقَرِّبًا وَمُتَقَرَّبًا إِلَيهِ، وَمُحِبًّا وَمَحْبُوبًا، وَسَائِلًا وَمَسْئُولًا، وَمُعْطِيًا وَمُعْطًى، وَمُسْتَعِيذًا وَمُسْتَعَاذًا بِهِ، فَسِيَاقُ الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى اثْنَينِ مُتَبَايِنَينِ؛ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيرُ الآخَرِ.

وَإِذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ القَولِ الأَوَّلِ وَامْتِنَاعُهُ تَعَيَّنَ القَولُ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الحَدِيثِ؛ حَيثُ جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الإِثَابَةِ وَالإِعَانَةِ، وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَدِّدُ هَذَا


(١) قُلْتُ: وَوَجْهُ كَونِ العَينِ هِيَ الَّتِي تَرْعَاهُ دُونَ الوَجْهِ أَوِ اليَدِ أَو … هُوَ لِأَنَّ العَينَ تُفِيدُ الاطِّلَاعَ وَالمُرَاقَبَةَ وَالإِحَاطَةَ مِمَّا يُنَاسِبُ الحِفْظَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
(٢) البُخَارِيُّ (٦٥٠٢)، وَفِي الحَدِيثِ كَلَامٌ، رَاجِعِ الصَّحِيحَةَ (١٦٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>