للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إِبْرَاهِيم: ٣٣].

فَالإِخْبَارُ عَنِ الجَعْلِ -وَهُوَ الخَلْقُ هُنَا- وَالتَّسْخِيرِ دَلِيلٌ عَلَى كَونِهِ مَخْلُوقًا مِنْ جُمْلَةِ المَخْلُوقَاتِ (١).

٣ - أَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ تَعَالَى كُلُّهَا حُسْنَى، أَي: بَالِغَةٌ فِي الحُسْنِ أَقْصَاهُ، وَهِيَ مُتضمِّنةٌ لِصِفَاتِ الكَمَالِ، أَمَّا الدَّهْرُ فَهُوَ اسْمٌ جَامِدٌ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنًى يَتَفَاضَلُ أَصْلًا! فَلَيسَ فِيهِ مَدْلُولٌ لِلحُسْنِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى.

٤ - أَنَّهُ لَو كَانَ الدَّهْرُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ؛ لَمْ يَكُنْ قَولُ الكُفَّارِ: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ خَطَأً! فَتَأَمَّلْ.


(١) وَلَمْ نَسْتَدِلَّ بِمِثْلِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفُرْقَان: ٦٢]-كَمَا ذَهَبَ إِلَيهِ بَعْضُ الأَفَاضِلِ- وَذَلِكَ لِأَنَّها لَا تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى المَقْصُودِ، ذَلِكَ أَنَّ كَلِمَةَ (جَعَلَ) إِذَا تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولَينِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الخَلْقِ؛ وَإنَّمَا عَلَى التَّصْيِيرِ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزُّخْرُف: ٣]، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَقَط؛ فَإِنَّ مَعْنَاهَا (الخَلْقُ). وَالحَمْدُ للهِ.
قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ : "وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ لَمْ يَقُلْ: (جَعَلْنَاهُ) فَقَطْ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ بِمَعْنَى: (خَلَقْنَاهُ)! وَلَكِنْ قَالَ: ﴿جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أَي: صَيَّرْنَاهُ عَرَبِيًّا". مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (١٢/ ٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>