للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَنْ رَأَى أَنَّ تَوَسُّلَ الأَعْمَى كَانَ بِذَاتِهِ ؛ فَعَلَيهِ أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ، وَلَا يَزِيدَ عَلَيهِ، كَمَا نُقِلَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّيخِ العِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ البَحْثُ العِلْمِيُّ مَعَ الإِنْصَافِ، وَاللهُ المُوَفِّقُ للصَّوَابِ.

- فَائِدَة ٣: وَأَمَّا الخِطَابُ فِي قَولِهِ هُنَا (يَا مُحَمَّدُ) -بِالنِّدَاءِ- فَفِيهِ تَوجِيهَانِ:

١ - أَنَّهُ كَانَ بِحَضْرَتِهِ ؛ وَعَلَيهِ فَلَا إِشْكَالَ.

قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ : "هَذَا إِذَا افْتُرِضَ أَنَّ النّبيَّ كَانَ بَعِيدًا أَو غَائِبًا عَنْهُ لَا يَسْمَعُهُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حُضُورِهِ ؛ فَلَا إِشْكَالَ" (١).

٢ - قَالَ شَيخُ الإْسَلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "هَذَا وَأَمْثَالَهُ: نِدَاءٌ يُطْلَبُ مِنْهُ اسْتِحْضَارُ المُنَادَى فِي القَلْبِ؛ فَيُخَاطَبُ المَشْهُودُ بِالقَلْبِ، كَمَا يَقُولُ المُصَلِّيُ: السَّلَامُ عَلَيكَ أيُّها النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهُ وبَرَكَاتُهُ، وَالإِنْسَانُ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا كَثِيرًا؛ يُخَاطِبُ مَنْ يَتَصَوَّرُهُ فِي نَفْسِهِ وإنْ لَمْ يكنْ فِي الخَارِجِ مَنْ يَسْمَعُ الخِطَابَ" (٢).

قُلْتُ: وَتَأْكِيدًا عَلَى أَنَّ (يَا) النِّدَاء هُنَا المَقْصُودُ بِهَا اسْتِحْضَارُ صُورَةِ المُخَاطَبِ بِهَا فِي الذِّهْنِ؛ أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيسَ فِيهِ طَلَبٌ مِنَ المُنَادَى! وَإِلَّا لَرَأَيتَ بَعْدَهَا: يَا مُحَمَّدُ؛ اسْأَلِ اللهَ لِي!! أَو اشْفَعْ لِي!! وَنَحْوَ هَذَا.

وَعَلَيهِ أَيضًا؛ فَإِنَّ النِّدَاءَ هُنَا لَيسَ دُعَاءً مِنْ دُونِ اللهِ -كَمَا ذَهَبَ إِلَيهِ بَعْضُ الغُلَاةِ- وَإِنَّمَا هُوَ تَوَسُّلٌ بِالدُّعَاءِ.

- فَائِدَة ٤: فِي مُجْمَلِ أَمْرِهِ لِلضَّرِيرِ جَمْعٌ لَطِيفٌ بَينَ أَنْوَاعِ التَّوَسُّلِ


(١) تَحْقِيقُ كِتَابِ (الآيَاتُ البَيِّنَاتُ) (ص ٩١).
(٢) اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ (٢/ ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>