للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الصَّحَابِيِّ فَحَسْبُ! (١)

- مِنْ فِقْهِ خَدِيجَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : "وِلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ؛ قَالَ: (قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ : إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُ خَدِيجَةَ السَّلَامَ -يَعْنِي: فَأَخْبِرْهَا-، فَقَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ، وَعَلَيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)، زَادَ ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: (وَعَلَى مَنْ سَمِعَ السَّلَامَ إِلَّا الشَّيطَانَ). قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي هَذَهِ الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى وُفُورِ فِقْهِهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ: وَعَلَيهِ السَّلَامُ -كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَة- حَيثُ كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ وَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ؛ فَقُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ))، فَعَرَفَتْ خَدِيجَةُ -لِصِحَّةِ فَهْمِهَا- أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَدُّ كَمَا يُرَدُّ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ، لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَهُوَ أَيضًا دُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَدَّ بِهِ عَلَى اللَّهِ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: كَيفَ أَقُولُ: ؛ وَالسَّلَامُ اسْمُهُ وَمِنْهُ يُطْلَبُ وَمِنْهُ يَحْصُلُ؟! فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ إِلَّا الثَّنَاءُ عَلَيهِ، فَجَعَلَتْ مَكَانَ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيهِ الثَّنَاءَ عَلَيهِ، ثُمَّ غَايَرَتْ بَينَ مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ وَمَا يَلِيقُ بِغَيرِهِ؛ فَقَالَتْ: وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَتْ: وَعَلَيكَ السَّلَامُ" (٢).


(١) وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الأَفَاضِلِ بِأَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ عَلَّمَ التَّشَهُّدَ عَلَى المَلَإِ بِلَفْظِ الخِطَابِ؛ فَهُوَ غَيرُ قَادِحٍ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ هَكَذَا سَمِعُوهُ؛ فَنَقَلُوهُ كَمَا سَمِعُوهُ، وَأَمَّا فِي مَعْرِضِ العَمَلِ بِهِ؛ فَهُوَ كَمَا رَأَيتَ بِلَفْظِ الغيبَةِ، وَهَذَا التَّوجِيهُ أَقْرَبُ لِجَمْعِ النُّصُوصِ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَخْذِ بَعْضٍ وَإِهْمَالِ بَعْضٍ، وَالحَمْدُ للهِ.
(٢) فَتْحُ البَارِي (٧/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>