للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجارية؛ فيكثر حمله وتكثر إصابة حامله ببوله، فمن باب التيسير خفف في غسل نجاسة بوله؛ فيكون من باب القاعدة الكبرى: "المشقة تجلب التيسير".

وقال بعضهم: إن بول الغلام يخرج من ثقب ضيق، من قضيب ممتد، فيخرج بقوة وشدة دفع، فينتشر بوله وتكثر الإصابة منه، فاقتضت الحكمة التخفيف من الحكم في تطهير نجاسته؛ أما الجارية: فيخرج بولها من ثقب فيه سعة وبدون قضيب، فيستقر في مكان واحدة فيثبت على أصل نجاسة البول.

وقال بعضهم: إنَّ الغلام فيه حرارة طبيعية زائدة على حرارة الجارية، وهو معلوم، وهذه الحرارة تخفِّف فضلات الطعام، فإذا صادف أنَّ الطعام خفيف أيضًا، وهو اللبن-: حصل من مجموع الأمرين خفَّة النجاسة، بخلاف الجارية، فليس لديها هذه الحرارة الملطِّفة، فتبقى على الأصل.

هذه من الحِكَمِ التي تلمَّسها العلماء للفرق بين بول الغلام وبين بول الجارية، فإنْ صحَّتْ، فهي حِكَمٌ معقولة؛ لأنَّها فروق واضحة، وإنْ لم تصح فالحكمة هي حُكْمُ الله تعالى؛ فإنَّنا نعلم يقينا أنَّ شرع الله هو الحكمة؛ فانَّ الشرع لا يفرِّقُ بين شيئين متماثلين في الظاهر، إلاَّ والحكمة تقتضي التفريق، ولا يجمع بينهما إلاَّ والحكمة تقتضي الجمع؛ لأنَّ أحكام الله لا تكون إلاَّ وفق المصلحة؛ ولكن قَدْ تظهر وقد لا تظهر.

أمَّا قَيْءُ الغلام والجارية، ففيهما قولان لأهل العلم: فمن جعل حكمه حكم البول من الغلام والجارية، ألحقه به من باب الأولى؛ لأنَّ القيء أخف نجاسةً من البول؛ وهذا مذهب الحنابلة.

وأمَّا من لم يلحقه، فقال: إنَّ الأصل أنَّهما سواء في الأحكام إلاَّ ما أخرجه النص، والنص لم يخرج القيء، فيبقى على أصله، وهو الاشتراك في حكم النجاسة بينهما.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>