والعلة الأخرى أنَّه باع ما لم يملكه، فإنَّ مستحق الصدقة لا يملكها إلاَّ بعد قبضها بإذن المتصدق، كالهبة.
٩ - قوله:"عن ضربة الغائص" فضربة الغائص جَمَعَت من محاذير عدم صحة العقد: الجهل بقدر ما يحصله الغائص في ضربته التي يريد المشتري كسبها، وعدم ملك البائع لها حين العقد، ففيها غرر كبير.
١٠ - قوله:"عن شراء السمك في الماء" وعلَّة النَّهي هنا أمران:
أحدهما: عدم القدرة على الحصول عليه، وتسليمه للمشتري.
الثاني: الجهل به، فإنَّ السمك بالماء الغمر مجهول غير معروف القدر، وغير معروف الحجم، وغير معروف النوع، فهو مجهول، فبيعه غرر كبير.
١١ - استثنى الفقهاء السمك إذا كان بماء مَحُوز، نحو بركة يسهل أخذه، والماء صافٍ يعلم فيه مقدار السمك وأحجامه، فإنَّه يجوز بيعه لإمكان أخذه ولمعرفته، فلا غرر في ذلك.
١٢ - أما بعد: فباب الغرر باب واسع لا يحاط بجزئياته، ولا تحصى مفرداته، ولكن تحكُمه ضوابط شرعية تحدد أفراده، وتميز معالمه، وهو باب خطر من أبواب المعاملات، كان في زمن الجاهلية يتمثل في بيع الحمل، وبيع اللبن في الضرع، والجمل الشارد، وبيع الحصاة، والملامسة، والمنابذة، ونحو ذلك، وما زالت جزئيات منه وأنواع، تظهر في كل زمان ومكان، حسب ما يناسب حالة أهله، حتى ظهر في زمننا أنواع منه خطرة جدًا، أفقرت بيوتًا تجارية كبرى، وقضت علما مستقبل وحياة أفراد فُتِنُوا بالميسر والقِمار، الذي ظهر بوسائله وأدواته الحديثة، ومؤسسات اليانصيب، وألعاب:"أُطرقْ بابَ الحظِّ بِعِنَادٍ"(١)، و"الوتري"، وغير ذلك مما نسمع عنها أنَّها سببت ثراء قوم بلا جهد، وفقر آخرين بالباطل، وكل هذا من