١ - يبين النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أنَّ من ادَّعَى على أحدٍ دعوى، فإنَّ عليه الإثبات والبينَةَ على دعواه، فإنْ لم يكن لديه بينةٌ، فعلى المدعى عليه اليمين -لنفي ما ادُّعِيَ- عليه به من حقٍّ.
٢ - ثمَّ ذكر -صلى الله عليه وسلم- الحكمة في كون البينة على المدعي، واليمين على من المنكِر، وهي أنَّه لو أُعْطِيَ كُلُّ من ادَّعَى دعوى ما ادعاه، لادَّعَى كلُّ من لا يراقب الله تعالى على الأبرياء دماءً وأموالاً، يبهتونهم بها؛ ولكن الحكيم العليم جعل حدًّا وحكماً؛ لتخف وطأة الشر، ويقل الظلم والفساد.
قال ابن دقيق العيد: الحديث يدل على أنَّه لا يجوز الحكم إلاَّ بالقانون الشرعي الذي رُتِّب، وإنْ غلب على الظنِّ صدق المدَّعِي.
٣ - أنَّ اليمين على المدَّعى عليه، وأنَّ البينة على المدعي، كما في رواية البيهقي؛ وذلك أنَّ اليمين تكون في الجانب القوي من المترافعين، وجانب المدعى عليه بلا بينة من المدعي هو القوي؛ لأن الأصل براءة ذمته، فاكتفي منه باليمين.
قال ابن القيم: الذي جاءت به الشريعة: أن اليمين تشرع من جهة أقوى المتداعيَيْن، فأي الخصمين ترجح جانبه، جعلت اليمين من جهته.
وهذا مذهبُ جمهورِ العلماء؛ كأهل المدينة، وفقهاء المحدِّثين؛ كأحمد، والشَّافعي، ومالك، وغيرهم.
٤ - البيِّنَة عند كثيرٍ من أهل العلم هي الشهود، والأيمان، والنكول.
وهي عند المحقِّقين: اسمٌ لكلِّ ما أبان الحقَّ وأظهره، من الشهود، وقرائن الحال، وَوَصْفِ المدَّعي في نحو اللُّقَطَة.
قال ابن رجب: كل عينٍ لم يدعها صاحب اليد، فمن جاء فوصفها بأوصافها الخفية، فهيَ له، فإنْ نازعه أحدٌ ما في يده، فهي لصاحب اليد