للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمر عليه، واعتاده، جَرَّ ذلك إلى الوقوع في الحرام.

٤ - وقد كان السلف -رَضِي الله عنهم- يتركون المباحات الكثيرة؛ خوفًا من المكروه والحرام؛ ذلك أنَّ من لم يتعد الشُّبَهَ في كسبه ومعاشه، فقد عرَّض دينه وعرضه للطعن.

٥ - ثمَّ ضربَ -صلى الله عليه وسلم- مثلًا للمحرَّمات بالحِمَى، الَّذي يتخذه الخلفاء والملوك مرعى لدوابُّهم.

ومثَّل المُلِمّ بالمشتبهات بالرَّاعي، الَّذي يسيم ماشيته حول الحمى، فيوشك ويقرب أنْ ترعى ماشيته فيه؛ لقربه منه، كذلك المُلِمّ بالمشتبهات يوشك أنْ يقع في المحرمات، وهو تصويرٌ بديعٌ، ومثالٌ قريب.

٦ - ثم ذكر -صلى الله عليه وسلم- أنَّ في الجسد لحمةً صغيرةً لطيفةً بقدر ما يمضغ، وأنَّ هذه القطعة من اللحم هي القلب، وأنَّ القلب هو السلطان المدبِّر لمملكة الأعضاء، وما تأتي من أعمالٍ؛ فعليه مدار فسادها أو صلاحها.

فإن صلح القلب، فإنه لن يأمر إلاَّ بما فيه الخير، وسيصلح الجسد كله، وإن فسد، فسيأمر بالفساد والشر، وتكون الأعمال معكوسة منكوسة، والله ولي التوفيق.

٧ - وبالجملة فهذا حديثٌ عظيم جليل، وقاعدةٌ من قواعد الإِسلام، وأصلٌ من أصول الشريعة، عليه لوائح أنوار النُّبوة ساطعة، ومشكاة الرِّسالة مضيئة؛ فهو من جوامع كلام النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ويحتاج استيفاء الكلام عليه إلى مصنَّف مستقل طويل.

٨ - اتَّفق العلماء على عظم هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنَّه من الأحاديث التي عليها مدار الإِسلام، قيل: هو ثلثه، وحديث: "إنَّما الأَعمال بالنِّيات"، ثلث، وحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" الثلث الباقي.

٩ - قوله: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن ... ": معناه: أنَّ الأشياء ثلاثة أقسام:

<<  <  ج: ص:  >  >>