للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عامَّة خطاياك؛ فإن أنت وضعتَ وجهَك لله خرجتَ من خطاياكَ كيوم ولدتكَ أمُّك» رواه النَّسائي (١).

والأحاديثُ في هذا الباب كثيرة.

فاقتضت حكمةُ أحكم الحاكمين ورحمتُه أن شرع الوضوءَ على هذه الأعضاء التي هي أكثرُ الأعضاء مباشرةً للمعاصي، وهي الأعضاءُ الظَّاهرةُ البارزةُ للغُبار والوَسَخ أيضًا، وهي أسهلُ الأعضاء غسلًا، فلا يشقُّ تكرارُ غَسلها في اليوم والليلة؛ فكانت الحكمةُ الباهرةُ في شرع الوضوء عليها دون سائر الأعضاء.

وهذا يدلُّ على أنَّ المضمضة من آكد أعضاء الوضوء، ولهذا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يداومُ عليها، ولم يُنْقَل عنه بإسنادٍ قطُّ أنه أخلَّ بها يومًا واحدًا، وهذا يدلُّ على أنها فرضٌ لا يصحُّ الوضوءُ بدونها، كما هو الصَّحيحُ من مذهب أحمدَ وغيره من السَّلف (٢).

فمن سوَّى بين هذه الأعضاء وغيرها، وجعل تعيينَها بمجرَّد الأمر الخالي عن الحكمة والمصلحة، فقد ذهب مذهبًا فاسدًا (٣)، فكيف إذا زعم مع ذلك أنه لا فرق في نفس الأمر بين التَّعبُّد بذلك وبين أن يُتَعَبَّد بالنَّجاسة


(١) (١٤٦). وأصله في «صحيح مسلم» (٨٣٢) في سياقٍ طويل. وهو في جميع المصادر من حديث أبي أمامة عن عمرو بن عبسة أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكره.
(٢) انظر: «مسائل إسحاق بن منصور الكوسج» (١١)، و «الروايتين والوجهين» (١/ ٧٠)، و «اختلاف العلماء» لمحمد بن نصر (٩٧)، و «الأوسط» (١/ ٣٧٧)، و «الطهور» لأبي عبيد (٣٧٧)، و «الاستذكار» (٢/ ١١).
(٣) انظر: «إعلام الموقعين» (٢/ ٩٤ - ٩٧).