للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما معناه: أنه لا تحتاجُ الذَّاتُ في اتصافها به (١) إلى علَّةٍ مغايرةٍ لعلَّة وجودها، بل علَّة وجودها هو علةُ الذَّاتيِّ (٢)؛ فهذا معنى كونه غير معلَّلٍ بعلَّةٍ خارجيةٍ عن علَّة الذَّات، بل علَّةُ الذَّات علَّتُه. وليس هذا موضع استقصاء الكلام على ذلك (٣).

والمقصودُ أنَّ كون التَّعلُّق ذاتيًّا للطَّلب فلا يعلَّل بغير علَّة الطَّلب لا ينافي توقُّفه على شرط، فهَب أنَّ صفة الفعل لا تكونُ علَّةً للتَّعلُّق، فما المانعُ أن تكون شرطًا له، ويكون تعلُّق الطَّلب بالفعل مشروطًا بكونه على الجهة المذكورة، فإذا انتفت تلك الجهةُ انتفى التَّعلُّق لانتفاء شرطه؟

وهذا مما لم يتعرَّضوا لبطلانه أصلًا، ولا سبيل لكم إلى إبطاله.

الثَّالث: أنَّ قولكم: «الطَّلبُ قديم، والجهةُ المذكورة حادثةٌ للفعل، ولا يصحُّ توقُّف القديم على الحادث» كلامٌ في غاية البطلان؛ فإنَّ الفعل المطلوبَ حادث، والطَّلبُ متوقِّفٌ عليه، إذ لا تتصوَّرُ ماهية الطَّلب بدون المطلوب، فما كان جوابكم عن توقُّف الطَّلب على الفعل الحادث فهو جوابنا عن توقُّفه على جهة الفعل الحادثة؛ فإنَّ جهته لا تزيدُ عليه، بل هي صفةٌ من صفاته.

فإن قلتم: التوقُّف هاهنا إنما هو لتعلُّق الطَّلب بالمطلوب، لا لنفس


(١) (ت): «في إثباتها به».
(٢) (ط): «بل علة وجودها هي علة اتصاف الذات».
(٣) انظر: «الإشارات والتنبيهات» لابن سينا بشرح الطوسي (١/ ١٥٢). وهذا أحد فروقٍ ثلاثة يذكرها المناطقة للتفريق بين الذاتيِّ والعرضي، وهو تفريقٌ عسرٌ باعتراف محققيهم.