للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه (١)، فقد تعلَّق بها المشيئةُ والحبُّ؛ فما لم يوجد من أنواع المعاصي فلم تتعلَّق به مشيئتُه ولا محبتُه، وما وُجِد منها تعلَّقت به مشيئتُه دون محبَّته، وما لم يوجد من الطاعات المقدورة تعلَّق بها محبتُه دون مشيئته، وما وُجِد منها تعلَّق به محبتُه ومشيئتُه.

ومن لم يُحْكِم هذه الأصول الثَّلاثة لم يستقرَّ له في مسائل الحِكَم والتعليل والتحسين والتقبيح قَدَم. بل لا بدَّ من تناقضه، ويتسلَّطُ عليه خصومه من جهة نفيه لواحدٍ منها.

ولهذا لما رأى القَدَرِيةُ الجَبْرية (٢) أنهم لو سلَّموا للمعتزلة شيئًا من هذا تسلَّطوا عليهم به، سَدُّوا على أنفسهم البابَ بالكلِّية، وأنكروها جملةً، فلا حكمة عندهم ولا تعليل، ولا محبة تزيدُ على المشيئة.

ولما أنكر المعتزلةُ رجوعَ الحكمة إليه تعالى سلَّطوا عليهم خصومَهم فأبدَوا تناقضهم وكشفوا عوراتهم.

ولما سلك أهلُ السُّنَّة القول الوسط، وتوسَّطوا بين الفريقين، لم يطمع أحدٌ في مناقضتهم ولا في إفساد قولهم.

وأنت إذا تأمَّلتَ حججَ الطَّائفتين وما ألزمتْه كلٌّ منهما للأخرى علمتَ أنَّ من سلك القول الوسط لم يلزمه شيءٌ من إلزاماتهم ولا تناقضهم، والحمد لله ربِّ العالمين، هادي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.


(١) (ت): «وإن وجدت منه».
(٢) يعني: الأشاعرة. وفي (ق): «القدرية والجبرية». وهو خطأ. والمعتزلة هم القدرية النفاة. وسيذكرهما المصنف فيما يأتي (ص: ١٠٩٦).