للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وقد سلَّم كثيرٌ من النُّفاة أنَّ كونَ الفعل حسنًا أو قبيحًا بمعنى الملاءمة والمنافرة والكمال والنقصان= عقليٌّ. وقال: نحن لا ننازعكم في الحُسْن والقُبح بهذين الاعتبارين، وإنما النزاعُ في إثباته عقلًا، بمعنى كونه متعلَّق المدح والذَّمِّ عاجلًا، والثَّواب والعقاب آجلًا، فعندنا لا مَدْخَل للعقل في ذلك، وإنما يُعْلَمُ بالسَّمع المجرَّد.

قال هؤلاء: فيطلَق الحُسْن والقُبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وهو عقليٌّ، وبمعنى الكمال والنقصان وهو عقليٌّ (١)، وبمعنى استلزامه للثَّواب والعقاب وهو محلُّ النزاع (٢).

وهذا التفصيلُ لو أُعطِي حقَّه والتُزِمَت لوازمُه رُفِع النزاع، وأعاد المسألة اتفاقية؛ فإنَّ كونَ الفعل (٣) صفة كمالٍ أو نقصانٍ يستلزمُ إثباتَ تعلُّق الملاءمة والمنافَرة؛ لأنَّ الكمال محبوبٌ للعالم به، والنقصَ مبغوضٌ له، ولا معنى للملاءمة والمنافرة إلا الحبُّ والبغض؛ فإنَّ الله سبحانه يحبُّ الكاملَ من الأفعال والأقوال والأعمال، ومحبتُه لذلك بحسب كماله، ويبغضُ النَّاقصَ منها ويمقُته، ومَقْتُه له بحسب نقصانه، ولهذا أسلفنا أنَّ من أصول المسألة


(١) انتقد ابن تيمية إيراد الرازي لهذا المعنى؛ لأنه لا يخالف الذي قبله. «مجموع الفتاوى» (٨/ ٣١٠).
(٢) هذا تلخيص الرازي المشهور لمحلِّ النزاع. انظر: «المحصول» (١/ ١٢٣)، و «المحصل» (٤٧٩)، و «الأربعين» (٢٤٦)، و «التحصيل» للأرموي (١/ ١٨٠)، و «نفائس الأصول» للقرافي (١/ ٣٥١)، و «درء القول القبيح» للطوفي (٨٢).
(٣) في الأصول: «وأن كون الفعل». ولعل الصواب ما أثبت.